ويقول في تعريف الولي المجذوب: "هو الذي يتأثر ظاهره بما يرى ويسوقه ما يشاهده فيجعل يحاكيه بظاهره ويتبع بحركاته وسكناته ... فإذا رأيت من المجاذيب من يتمايل طرباً فإنه غائب في مشاهدة الحور العين فإن ذلك هو هيئة حركاتهن، فظاهره مشتغل بمحاكاة ما يشاهد من أمرهن " (راجع ن. م ص191).
أقول: على فرض وقوع ذلك فأين هؤلاء الأولياء من قوله تعالى: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)) [النور: 30].
ويقول عن الملائكة: " ... حتى إنك إذا نظرت بعد الفتح وجدتهم لا يخلو منهم مكان من أمكنة المخلوقات فتراهم في الحجب وتحتها وفي العرش وتحته في الجنة وفي النار وفي السماوات وفي الأرض، وفي الكهوف، والجبال وسائر البحار " (راجع الإبريز ص192).
ويقول: " ومن نظر إلى اللوح المحفوظ ونظر فيه إلى المرسلين وإلى شرائعهم التي هي مكتوبة فيه علم دوام شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم" (راجع ن. م ص149 - 150).
أقول: بل معرفة دوام شريعته عليه الصلاة والسلام لا يحتاج إلى النظر في اللوح المحفوظ على فرض إمكانه.
ويقول: " ومن فتح الله عليه ونظر في أشكال الرسم التي في ألواح القرآن ثم نظر في أشكال الكتابة التي في اللوح المحفوظ وجد بينهما تشابهاً كثير " (راجع الإبريز ص57).
ويقول: " فإن الكامل قد يستفيد من مريده شيئاً مما يقع في العالم كقول بعض الأكابر في مريد له: منذ مات فلان غابت عنا أخبار السماء حتى خلفه مريد آخر فجعل يخبر بمثل ما كان يخبر به الأول، فقال ذلك الولي الكامل: قد رجع إلينا ما قد فقدناه " (رجع ن. م ص294).
ونلاحظ هنا أن الدباغ لم يقصد أن الشيخ الكامل دون مرتبة تلميذه ولكنه حسب تعليله أراد إثبات أن الشيخ اشتغل بما هو أعلى فغاب عنه ما دون ذلك، وأي شيء يكون أعلى من أخبار السماء.
يقول الشيخ إدريس الأرباب: " يوم مات باسبار (أحد كبار الصوفية في السدوان) عرضت روحه القرآن على الحق عز وجل " (راجع طبقات ابن ضيف الله ص110).
انظر إلى هذه الجرأة النادرة وإلا فمن أدراه ما تقوم به الأرواح بعد قبضها؟ ثم كيف عرف ما تئول إليه حال هذا الشخص المعين؟ وإلا ما أوسع باب الدعوى العارية عن الدليل.
سادساً: أولياء الفكر الصوفي يعلمون ما في باطن الأرض:
لما كان أولياء الفكر الصوفي لا يخفى عليهم شئ في السماء أصبح من باب أحرى أن لا يخفى عليهم شيء في الأرض وهذا ما حرصوا به فتجد الدباغ - أحد مفكريهم الكبار - يقول:
" إنه رأى في الأرض الثالثة أقوامأً في بيوت ضيقة ونار محرقة وأبيار غامقة (أي كثيرة المياه) وعذاب دائم لا يتكلم الواحد منهم كلمة حتى تهوي به هاويته فهو في صعود ونزول، قال: بينما أنا أنظر فيهم إذ لاح لي رجل منهم أعرفه باسمه وبذاته في دار الدنيا فناديته باسمه وقلت: ويحك ما أنزلك هذا المنزل؟ فأراد أن يكلمني فهوت به هاويته " (الإبريز ص306).
وفي مقامات الأولياء تكلم عن الولي الذي يكون في المقام الأول فقال: فإنه يكاشف بأمور منها: " أفعال العباد في خلواتهم ومنها مشاهدة الأرضين السبع أو السماوات السبع، ومنها النار التي في الأرض الخامسة وغير ذلك مما في الأرض والسماء ... ومنها مشاهدة الشياطين وكيف توالدها، ومنها مشاهدة الجن وأين يسكنون " (المصدر السابق ص143).
ويقول: " كان سيدي حماد المجذوب - وهو من أهل المغرب - بسوق مصر يسعى فيما يأكل وكان الوقت وقت غلاء فبينما هو قاصد لحانوت رجل ليطلبه ويسأله شيئاً مما يتقوت به إذ حانت منه نظرة باطنية، فرأى ذهباً كثيراً وهو مدفون بإزاء حانوت الرجل المقصود، وكان المقصود من العارفين فأراد أن يختبره فلما سأله حماد قال له الرجل: الله يفتح عليك ... ثم قال: أنت تطلب، والذي تحت رجلك، يكفيك يشير إلى الذهب المدفون ... فقال حماد: الذي تحت رجلي ذهب، وإنما أنا أطلب نصف فضة أتقوت به فعلم الرجل بحاله، فأعطاه عشرة أنصاف فضة " (الإبريز ص190).
أقول: هذا مما لا يصدقه عاقل إذ كيف يذل هذا الرجل الموصوف بأنه من العارفين نفسه فيتجول في الأسواق لطلب قوت يومه تسولاً وهو يشاهد الذهب الإبريز تحت رجليه، ثم إذا كان هؤلاء الأولياء يقدرون على رؤية ما في باطن الأرض فليخبرونا بما فيها من الكنوز وليشيروا إلى مواضع المعادن النافعة حتى يتقوى بها المسلمون ويستعينوا بها في نصرة الحق ونشر دين الله.
¥