وفي هذا النص دليل على أن كشفهم يأتي أحياناً بغير ما ورد في الكتاب والسنة، كما دل على أن المريدين تلقوه بالقبول على أي حال كان.
غير أن القول بقبول الكشف على علاته تسبب في تعريض هؤلاء لانتقادات شديدة من علماء الشريعة، الأمر الذي أدى ببعضهم إلى الاضطراب في هذا الموضوع فتظاهر بأنه ينبغي أن يقيد الكشف بالكتاب والسنة، فنجد الشعراني نفسه يقول: ثم إن علم الكشف الصحيح لا يأتي قط إلا موافقاً للشريعة المطهرة " (راجع الجواهر والدرر ص260).
ويقول أيضاً: "واعلم أن الأحكام الشرعية لا تثبت بالكشف لعزتها، ولأنه لو فتح هذا الباب تخالفت الأحكام وفسد نظام الشريعة لكثرة المدعين " (راجع الأنوار القدسية ص14).
أقول: هذا هو الحق الذي طالما ردده دعاة الحق وأئمة الهدى، قد أجراه الله على لسان هذا القطب الصوفي وسطرته أنامله. وهذه العبارة على وجازتها تعد من العبارات القليلة التي لها قيمتها في الرد على هؤلاء؛ لأن أتباعهم قل أن يستجيبوا لنداءات الناصحين من غير المتصوفة، بحجة أن غير الصوفي ليس من حقه أن ينتقد التصوف وأهله؛ لأنه لم يذقه حتى يحكم عليه، ومن ذاق حجة على من لم يذق.
فيقال لهم: هذا أحد من سلك وذاق ووصل إلى مرتبة ((الهيكل الصمداني)) عندكم، قد وضع لكم قاعدة في قبول الكشف ورده ألا وهي مقابلته بالكتاب والسنة فما وافقهما أخذتم به وما خالفهما طرحتموه.
لكن العقبة الكئود في هذا هي أن العبارة وإن كانت لها قيمة نظرية في الرد عليهم، إلا أنها تبقى عديمة القيمة في مجال التطبيق العملي، فنرى الشعراني نفسه يعمل على خلاف ما قرره هنا في كثير من الموافق، وهذا بلا شك اضطراب عجيب، ويدل على أن القوم يسيرون على غير هدى، ويعيشون في معزل عن منهج مستقيم.
ويبدوا أن سبب اضطرابهم في هذا الأمر يرجع إلى اعترافهم بأن الواردات الكشفية قد تأتي من الشيطان فاحتاجوا إلى ضوابط يعرفونه بها الكشف الصحيح من الكشف الشيطاني.
يقول المنوفي: " والواردات ما يرد على القلب من خاطر إلهي، أو ملكي، أو شيطاني، فكل وارد يبقى الإنسان بعد انفصاله عنه نشيطاً مسروراً نشوان فإنه وارد ملكي، وكل وارد يبقى صاحبه بعد انفصاله خبيث النفس كسلان ثقيل الأعضاء والروح يجنح إلى فتور فهو وارد شيطاني، وكل وارد أعقب في القلب معرفة بالله ومحبة له وإنابة إليه وطمأنينة بذكره وسكوناً إليه فهو وارد إلهي حقاً (راجع معالم الطريق ص271).
أقو: إن المسملين - والحمد لله - لا يحتاجون في معرفة الدين إلى هذه التخيلات، إذ الوسائل إلى ذلك ميسرة متوفرة، فعندنا كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وبين أيدينا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة وكلاهما محفوظ بحفظ الله تعالى وميسر كما قال تعالى: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) [الحجر:9].
وقال: ((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)) [القمر:17].
فمن جاءنا بشيء غير معروف عند سلف هذه الأمة لعدم ثبوتها في الشريعة فلا نحتاج لأن نقول له: لما انفصل عنك هذا الوارد هل كنت نشيطاً، أو كنت خبيث النفس، أو كنت على معرفة بالله، بل ننظر ما جاء به إذا كان موافقاً للسنة أخذنا به لا لأنه جاء به فلان ولكن لأنه وافق الحق، وإذا خالفها طرحنا به عرض الحائط ولا كرامة.
نقلاً عن كتاب " تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي ".
وهذا والله أعلم.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[20 - 01 - 06, 01:04 ص]ـ
سمعت أن للشيخ محمد أحمد لوح بحث حول تقديس الأماكن في الفكر الصوفي
فهل من مخبر عنه؟
ـ[أبو إبراهيم الجنوبي]ــــــــ[20 - 01 - 06, 02:43 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي رمضان أبو مالك لقد أفدت وأجدت.
ـ[رمضان أبو مالك]ــــــــ[20 - 01 - 06, 08:26 ص]ـ
جزانا الله وإياك، وبارك الله فيك.
ـ[عمار احمد المغربي]ــــــــ[24 - 09 - 07, 06:58 م]ـ
حمل كتاب (تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي) * من هنا
http://www.alsoufia.org/vb/showthread.php?t=4472
ـ[عبد الأحد محمد الأمين ساني]ــــــــ[21 - 11 - 08, 03:14 م]ـ
مؤلف هذا الكتاب هو العالم الكبير والداعية السنعالي الشهير شيخنا وأستاذنا الشيخ الدكتور محمد أحمد لوح السنغالي من مدينة طوبى، وهو بدون منازعة عالم السنغال الشهير وداعيتها الكبير، وعميد الكلية الأفريقية للدراسات الإسلامية، وقد درس في مدارس السنغال التقليدية، حيث تلقى فيها مناهجها المتوارثة من فقه ونحو ولغة وأدب ومنطق. ثم غادر السنغال بعد أتقن هذه الفنون إتقانا، متوجها إلى الشرق الإسلامي، فالتحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1400هـ 1981م. وقد حصل على شهادة الليسانس من كلية الحديث والدراسات الإسلامية، ثم اتحق في قسم العقيدة بكلية الدعوة بالجامعة نفسها، فكتب: كتاب تقديس الأشخاص رسالة له، وقد منح به درجة الماجستير بتقدير ممتاز. مع الإيصاء بطبع الكتاب وتداوله., ثم واصل مشواره في الكلية والقسم نفسه فكتب كتابه الخطير [جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية] لنيل درجة الدكتوراه وقد نالها وأجيز بتقدير مرتبة الشرف الأول، وللشيح بحوث أخرى كثيرة في أهم المواضيع التي تهم المسلمين في هذا العصر، وله كذلك مشاركات وتدخلات في ندوات إسلامية عالمية كثيرة، ...... وللحديث بقية إن شاء الله
¥