ونهج السلطان المولى سليمان نهج والده في الدعوة إلى مذهب السلف ومحاربة أهل الإبتداع والضلال. وإليه، كما أسلفنا، وجه الإمام سعود بن عبد العزيز بعد افتتاحه الحجاز وتطهيره مما كان فيه من البدع، رسالته التي شرح فيها مبادىء دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وغاياتها.
وقد تولى الرد على رسالة الإمام سعود بأمر من السلطان المولى سليمان وعلى لسانه أحد مرموقي علماء البلاط السليماني وأدبائه، وهو حمدون بن الحاج السلمي.
وصاغ هذا الرد في قصيد في تسعة وتسعين ومائة بيت، تتخللها تعليقات وشروحات نثرية من بحر البسيط وقافية الميم افتتحه بالتعبير عن شوقه للمواطن المجازية حيث تربة رسول الله ش المزرية بالمسك:
وبارق واللوى وألبان والعلم
حق الهناء لكم جيران ذي سلم
وساكني المنحني وألواد من أضم
قدستم أنفسنا أهيل كاظمة
وهل طوى غير ذي طوى من الحرم
هل المقدس غير واد فاطمة
من جنة الخلد في وسم وفي نسم
أراك يا وادي الأراك مقتطعاً
هناك مزرية بالمسك والزهم
وكيف لا ورسول الله تربته
وثنى على هذا بالصلاة على رسول الله ش، ثم تخلص لموضع رده، بعد الإشارة إلى جهود الأمير سعود بن عبد العزيز في نشر ألوية الأمن ببلاد الحجاز، وإماتة البدع وإحياء السنن:
وزورة تكمل المأمول من حرم
لا شيء يمنع من حج ومعتمر
أهنا وآمن من حمامة الحرم
إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه
قد أحدثتها ملوك العرب والعجم
مذ لاح فيها (سعود) ماحيا بدعاً
غرب يسير لشرق ضائع النسم
(سعود) بعد سلام الله شاعك من
هذا كتاب إليك من محب أتى
وصموا بها الدعوة. وختم مشيداً بسيرة الأمير سعود في القول والفعل رواية عن الواردين على مغناه من الحجاج المغاربة:
في القول والفعل والمحسود في الشيم
وأنك الرجل المحمود سيرته
مغناك حتى استبان كل منكتم
بل لم أزل سائلاً للواردين على
دنيا، وما هذه الدنيا سوى حلم
من أنك الزاهر الزاهي بزهده في
مقفيا ما أتي النون والقلم
وأنك الباهر الباهي بعفته
بدوت ها أنت باد وافي الرحم
وإن بدت منك شدة بأول ما
بدا به خيط أسود مرى طسم
فكنت كالقلق البادي بأول ما
ما عم من ضوئك الهادي لكل عمي
الحمد لله رب العالمين على
وليس من المستغرب في شيء أن يأتي هذا الرد، على ما فيه من وجهات نظر مخالفة في بعض ما قررته الدعوة وفي بعض ما أشاعه عنها مناوئوها من نظر مخالفة في بعض ما قررته الدعوة وفي بعض ما أشاعه عنها مناوئوها من أكاذيب، طافحاً بمشاعر الإعجاب بها والتقدير للقائمين عليها فإن صاحبه هو ذلكم السلطان العالم ذو النزعة السلفية الإصلاحية التي انعكست آثارها على كثير من مواقفه وآثاره، فهي التي دفعت به إلى إنكار بدع المتفقرة المتصوفة من أصحاب الزوايا، ومنع إقامة مواسم (الأولياء) عند أضرحتهم، وكانت كعبة المبتدعة والفساق، والأمر بهدم القبة المبنية على قبر والده، وإزاحة النقير المثبت عليه.
وقد صدرت عنه خطب ورسائل حث فيها على نبذ البدع والتمسك بالسنن، ومن أشهرها رسالته التي وجهها إلى الأمة عن طريق خطباء المساجد يخطبون بها في الجمع على سائر المنابر.
ولا بأس أن نسوق لكم من هذه الخطبة الجليلة فقرة تدل على بقيتها فيما حوته من إرشاد للناس لإتباع السنن ومجانبة البدع:
(أما بعد، أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيما يرضيه أمركم ومأموركم. فإن الله قد استرعانا جماعتكم وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم. {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}. ولهذا نرثي لغفلتكم، أو عدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم واخلصوا لله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم
¥