حجة ولا كتاب منير.
وإلى جانب العلماء المغاربة الذين ناهضوا الدعوة، للأسباب المشار إليها آنفاً، وجدنا أحد علماء الحجاز يحل بالمغرب في العقد التاسع من القرن الثاني عشر الهجري، ويقيم في فاس ومراكش نحو عشر سنوات يؤلف أثناءها رسالة في انتقاد الدعوة ومهاجمتها.
وهذا العالم هو أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني الحنفي، ورسالته هي التي سماها (ما أبرزته الأقدار في نصرة ذوي المناقب والأسرار).
ومن الواضح من عنوان الرسالة أن دواعي تأليفها نابعة من تعصبه للطرق والزوايا الصوفية المبتدعة. أما هدفه من تأليفها في المغرب خاصة فهو كما ذكر محقق الرسالة المؤرخ المقتدر الدكتور محمد العماري يتمثل في (خلق حاجز وقائي ضد أي تسرب للسلفية السنية للمغرب).
ونالت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من اهتمام المفكرين المغاربة، على اختلاف نزعاتهم، حظاً ملحوظاً فيما كتبوه عن التيارات السلفية في المغرب الحديث. ونمثل لذلك بما كتبه الدكتور محمد عزيز الحبابي عن فكرة الإصلاح الديني في تصور الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأوضح وسائلها في تحقيق الإصلاح بما استهدفه من تحرير الدين من الدجل والعقيدة من الشعوذة.
ونقتطف من كلامه في ذلك الفقرة التالية:
(كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو أيضاً، مجتهداً، رمى إلى تحقيق ما سعى إليه من سبقه من “ السلف الصالح ” أي إلى تحرير الدين (ومعه المتدينون) من الشبهات والمستحدثات التي تنحرف عن جوهر العقيدة والتشريع (إنحراف قد يزرع الحيرة والفوضى بين الناس)، وعن الفضائل والمعايير التي يقوم عليها المجتمع. فابن عبد الوهاب، من هذا الجانب، قد فضح التدجيل على الدين (الإسلام التاريخي)، فكان عمله محرراً) ([30]).
(اعتمدت الوهابية الإصلاح الديني، واستعملت ما توفر لها من وسائل فرضتها ظروف المجتمع الذي عاش فيه محمد بن عبد الوهاب، فحاربت الإستغاثة بالموتى، والتبرك بالشجر، وتقديس الحجر (نوع من الطوطيمية البدائية). وكما أن التقدمية تدعو الملتزمين إلى الإندماج في صفوف الطبقة المحرومة، كان ابن عبد الوهاب إلى جانب المستضعفين والفقراء، يحيا، ويعادي مستغليهم. تضايق هؤلاء من مواقفه وتآمروا على اغتياله. ولما سلم من مكرهم لم يخف بطشهم ومكائدهم، فواصل عمله والمستضعفين معه، يحاربون البدع والخرافات بنفس الإيمان الذي يحاربون به الظلم والفقر. وعندما انتشرت السلفية الوهابية ووعاها الناس اضطرت أن تبحث عن أداة تنفذ بها برنامجها الإصلاحي والسياسي، فتحالفت مع الأمير ابن سعود، بعد أن إقتنع هذا الأخير بصلاحية الإتجاه الوهابي ومبادئه:
- “ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ” (تجنيد جميع الأفراد لتطهير المجتمع).
- “ استقامة الشرائع ” (حتى لا تكون فتنة ولا فوضى ويجب احترام الدستور).
- “ الجهاد في سبيل الله ” (حروب دفاعية عن النفس، وعن الوطن) ([31]).
ويعنى دارس آخر هو الدكتور محمد الكتاني ببلورة موقع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تاريخ الدعوة السلفية فيقرر بأنه يعتبر أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الدعوة. وفي ذلك يقول:
(والملاحظ - على العموم - أنه في تحديد مجال الدعوة لا نقف على شيء مضبوط فيما يخص هذا التحديد ولاسيما في العهود التي سبقت ظهور حركة محمد بن عبد الوهاب - أو على الأقل هذا ما انتهيت إليه أنا في بحثي وفيما بين يدي من مراجع - أما ابن عبد الوهاب فيمكن أن يعتبر أول من وضع ما يمكن أن يسمى دستوراً لهذه الحركة وبالتعبير العصري أول من وضع كتاباً مذهبياً لمجال هذه الحركة فيما رآه هو مجالاً لها، وكتابه في مضمونه العام يحدد موقفه من العقيدة، حيث إنها - وكما أشرنا قبل - أهم نقطة احتد فيها الصراع بين السلفية وما سواها من المذاهب - فنص على اتباع مذهب السنة والجماعة، واتباع طريقتهم في إثبات صفات الله على ظاهرها بدون تأويل واعتقاد حقائقها، وتفويض أمرها إلى الله على طريقة قول مالك في رده على من سأله: كيف استوى على العرش؟ حيث رد: الإستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عن ذلك بدعة) ([32]).
¥