إنكارها))، فقال له: ((معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم منها لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها، وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الربوبية، وإنما سبيل الزيارة الإعتبار بحال الموتى وتذكار مصير الزائر إلى مثل ما صار إليه المزور، ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلى الله تعالى، ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت إن كان ممن يليق أن يستشفع به، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سداً للذريعة، فأي مخالفة للسنة في هذا القدر؟)) ([34]).
ونختم حديثنا عن أصداء الدعوة في أعمال المؤرخين المغاربة بمثال نستقيه من كتاب الفقيه العلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الذي سماه (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) فقد عقد فيه باباً ترجم فيه بالعلماء الحنابلة وجعل مسك ختامهم ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد بلور فيها جوانب شخصيته العلمية، والعقدية، والفقهية، والنفسية كما بلور فيها مبادىء مذهبه وأهدافه.
وهذه مقتطفات من الترجمة المذكورة:
( ... انتقل للبصرة لإتمام دروسه فبرع في علوم الدين واللسان، وفاق الأقران ... ).
(عقيدته السنة الخالصة على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة، لا يخوض التأويل والفلسفة ولا يدخلهما في عقيدته).
(وفي الفروع مذهبه حنبلي غير جامد على تقليد الإمام أحمد ولا من دونه، بل إذا وجد دليلاً أخذ به، فهو مستقل الفكر في العقيدة والفروع معاً).
(وكان قوي الحال، ذا نفوذ شخصي وتأثير نفسي على أتباعه، يتفانون في إمتثال أوامره، غير هياب ولا وجل).
وعند مبادىء دعوة الشيخ قال الثعالبي: (ومن جملة مبادئهم التمسك بالسنة، وإلزام الناس بصلاة الجماعة، وترك الخمر وإقامة الحد على متعاطيها ومنعها في مملكتهم؟ بل منع شرب الدخان ونحوه مما هو من المشبهات. ومذهب أحمد مبني على سد الذرائع كما لا يخفى .. ).
وعن المظاهر الشركية التي حاربتها الدعوة ذكر: (نبذ التعلق بالقبور، وعدم نسبة التأثير في الكون للمقبور؛ بل منع التوسل بالمخلوق، وهدم الأضرحة التي تشييدها سبب هذه الفكرة ... ).
وأنهى الثعالبي ترجمته للشيخ بالإشارة إلى شهرته التي طبقت العالم الإسلامي بوصفه (من الزعماء المؤسسين للمذاهب الكبرى والمغيرين بفكرهم أفكار الأمم) ([35]).
والواضح من هذه المقتطفات أن الثعالبي كان على معرفة معمقة بشخصية الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وسيرته، كما كان على معرفة معمقة أيضاً بدعوته وتاريخها ومبادئها، وهذا ما جعله يهتم بالكتابة عن الدعوة وصاحبها في عملين آخرين له، هما (برهان الحق) و (بيان مذهب الوهابية).
وبعد:
فإن صاحبنا الثعالبي أشار في آخر الباب الذي أفرده بتراجم السادة الحنابلة إلى قلة ما جمع من تراجمهم، فاعتذر لهم عن ذلك.
وإني أستعير منه، ببعض التصرف، عبارته عن ذلك وبها أختم شاكراً لكم حسن إصغائكم:
(ذلك جهد المقل القاصر ... ولعلماء نجد الأماثل اعتذاري) والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً.
الهوامش والتعليقات
([1]) انظر، كتابنا (المسلمون وأسئلة الهوية) ص 123.
([2]) أنجزت في ذلك دراسات كثيرة تناولت حياة الشيخ وسيرته بجميع جوانبها، كما عنيت بالدعوة ومبادئها وآثارها داخل الجزيرة وخارجها. وأعدت في ذلك رسائل ماجستير ودكتوراه في الجامعات السعودية وغيرها.
([3]) انظر، (عنوان المجد في تاريخ نجد) ج1 ص 33.
([4]) انظر، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور ص 82، 83، 84.
([5]) انظر، حاضر العالم الإسلامي ص 81.
([6]) مخطوط الخزانة العامة بالرباط. ك (3125).
([7]) مثل (الترجمانة الكبرى) للزياني، و (تاريخ الضعيف الرباطي)، ومعجم عبد الحفيظ الفاسي، وتاريخ الجبرتي، و (الجيش العرمرم) لأكسنوس، و (الإستقصا) للناصري، و (الفيوضات الوهبية) لبناني، ص 93.
([8]) مثل رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز، ونصوص الردود المغربية عليها وبعض الرسائل الأخرى.
¥