رأى الخليل كل ذلك، فلم يشارك الدارسين فيما صنفوا، لأنه لم ير هذه المصنفات على كثرتها مما يفي بالحاجة أو يحقق الغرض الذى صنفت من أجله، ولأنه كان يري أن جمع المفردات، وتدوينها على هذا النحو لم يخدم الفكرة التى دفعت الدارسين الى التدوين ولا يفى بالحاجة الى حفظ اللغة واستيعاب مفرداتها أو حصرها، ثم لأنه كان يري أن هذه الرسائل لم يقم تصنيفها على أساس علمي أو منهجي مقبول.
ولا بد أن يكون الخليل قد فكر فى ذلك، وأطال التفكير فيه، فاستبعد كل ضروب التصنيف التى سبق إليها، وأخذ يعد العدة لتصنيف أوفي وأشمل فهداه عقله الرياضي الكبير الى تصنيف لغوي جديد، شأنه فى ذلك شأنه فى كل موضوع تناوله بالدرس وفى كل مسألة وقعت فى متناول يده، وقد دلت أعماله، والخطوات التى خطاها فى الدرس على أنه كان عالماً من طراز خاص ودراساً يتمثل به نبوغ أمة، وعبقرية جيل.
يتبع
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[25 - 02 - 06, 06:41 م]ـ
فكر الخليل فى صنع كتاب فى اللغة يحصر فيه لغة العرب كلها، لا تفلت منها كلمة، ولا يشذ منها لفظ وهداه عقله الفاحص إليه وخطا فى سبيل ذلك خطوات علمية ينبني اللاحق منها على السابق، ويؤدي السابق منها إلى اللاحق.
وهذا هو تفصيل خطوات عمله مستفادة من كتاب: ((عبقري من البصرة)) للدكتور مهدي المخزومي مع زيادة يسيرة.
الخطوة الأولي:
كانت الخطوة الولي التى خطاها لإنجاز صنعه الكبير أن اعتزم تصنيفه على أساس حروف الهجاء وهى تسعة وعشرون حرفاً، وهى مادة اللغة، وأساس بنائها، فلا بد اذن من إعادة النظر فى هذه الحروف، وترتيبها ترتيباً جديداً بحسب مواقعها من جهاز النطق الذى يبدأ بمدرجة الحلق، وينتهى بمدرجة الشفتين، وقد تم له ذلك، فكانت (العين) عنده اول الحروف لأنها أدخل فى الحلق.
فكان ترتيب الحروف على حسب مخارج الحروف من الحلق كالتالي: [ع ح ه خ غ/ق ك/ج ش ض/ص س ز/ط د ت /ظ ذ ث/ر ل ن/ف ب م/و ا ي/]
الخطوة الثانية:
وحين تهيأ له ذلك نظر فى المفردات اللغوية التى تستمد أصول بنائها من هذه الحروف: وصنفها بحسب عدد أصولها التى تتألف منها، فرأي أن " كلام العرب مبني على أربعة أصناف، على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي" [كتاب العين ص2، تهذيب اللغة 1/ 41، 42]
ورأى أن الخماسي هو البناء الذي لم يتجاوزه اسم ولا فعل، وقال " ليس للعرب بناء فى الأسماء والأفعال أكثر من خمسة أحرف فمهما وجدت زيادة على خمسة أحرف فى فعل أو اسم فاعلم أنها زائدة على البناء، نحو قرعبلانة، إنما هو قرعبل، ومثل عنكبوت، إنما هو عنكب" [تهذيب اللغة 1/ 42]
الخطوة الثالثة:
بدأ بتخطيط الكتاب فخططه على أساس عدد الأصول التى تتألف منها المفردات، وتوزعت المفردات على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي.
أما الثنائي فما كان فيه حرفان صحيحان، ولم يبال بالتضعيف (فعق) مثلاً من الثنائيات لأنها تتألف من حرفين صحيحين هما: العين والقاف، ولا عبرة لتشديد القاف، و (عقعق) ثنائي أيضاً، لأنه يتألف من العين والقاف ولا عبرة لتكرارهما وصيروة الكلمة رباعية فى العد، لأنه كان يري أن البناء إنما هو العين والقاف وهم الأصل، ثم كررتا فصار البناء رباعياً، وليس هناك قول صريح للخليل بهذا، ولكن وضع (عقعق) فى مادة (عق) يشير الى هذا.
وأما الثلاثي فما كان فيه ثلاثة أحرف وقد صنفه على الثلاثي الصحيح.
والثلاثي المعتل بحرف واحد، والثلاثي اللفيف فأما الثلاثي الصحيح فهو ما كانت حروفه الثلاثة من الصحاح.
وأما الثلاثي المعتل فهو ما كان فيه حرفان صحيحان، وحرف واحد من حروف العلة، نحو: عاد ووعد وعدا.
وأما الثلاثي اللفيف فهو ما كان فيه حرف صحيح واحد وحرفان من أحرف العلة سواء أكانا متصلين نحو: عوى ونوي أم كانا مفصولين بالصحيح، نحو: وعى، وني.
وإنما أجمل اللفيف ولم يفصله لأن اللفيفين جميعاً ينطويان فى مادة لغوية واحدة، أو أصل واحد، فلو أخذنا كلمة (عوي) مثلاً وهى من اللفيف المقرون، ثم استخرجت تقاليبها كان من تقاليبها: وعى، وهو من اللفيف المفروق، فلا حاجة به الى أن يجعل اللفيف المقرون فى باب، والمفروق فى باب آخر.
وأما الرباعي فما كان عدد أحرفه أربعة من الصحاح
وأما الخماسي فما كانت أصوله الخمسة من الصحاح
¥