تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الخليل عارفاً بمواقع قديمة فى هذا العمل الفذ مدركاً أن تقصي هذه المفردات من قبيل المحال وعالماً أن لغة من اللغات لا يمكن أن يستعمل فيها هذا العدد الضخم من المفردات وأن أحداً من اللغو يين ولو كان مثل الخليل لم يكن ليزعم أنه محيط بكل المفردات المستعملة، ولم يدع أنه كان ملماً بجميع ما تكلمت بع العرب فى لغتها وأشعارها وأمثالها ولكنه كان يرمي من وراء ذلك إلى تخطيط يمكن الدارسين من استيعاب جميع المستعمل من المفردات، بحيث لا يفلت منه لفظ، ولا يشد عنه منها شئ ..

غير أن بعض المتحذلقين المدعين [هو أحمد بن محمد البشتي، سماه الأزهري فى مقدمة كتابه (تهذيب اللغة) وذكر أنه أحد الخراسانيين الذين ألقوا وجمعوا فصحفوا وغيروا … تهذيب اللغة 1/ 32] كان قد أساء فهم ما كان الخليل يعنيه حين وقف على ما قاله الليث فى مقدمة كتاب العين وفى مفتتحه، فغلظ فى فهمه، وقصر فى إدراك ما كان يرمي إليه.

قال الليث: (هذا ما ألفه الخليل بن أحمد البصري رحمه الله عليه من حروف (أ ب ت ث) مع ما تكلمت به، فكان مدار كلام العرب، وألفاظهم ولا يخرج منها عنه شئ وقد أراد أن تعرف به العرب أشعارها وأمثالها ومخاطباتها وألا يشذ عنه شئ من ذلك).

غلط البشتي فى فهم ما قال وحاول غفلة وقلة فطنه أن ينقض ما قاله، وزعم أنه نظر فى الكتاب فلم يجد فيه كل ما تكلمت به العرب، وراح يصنف كتاباً يستدرك به على الخليل ما فاته، ويزعم أنه استدراك عليه ضعفى ما فى كتاب العين وزيادة، وتوهم (أن الخليل لم يف بما شرط لأنه أهمل من كلام العرب ما وجد فى لغاتهم مستعملاً).

وتصدي الأزهري له فقال: (ولما قرأت هذا الفصل من كتاب البشتي استدللت به على غفلته، وقلة فطنته، وضعف فهمه، واشتففت أنه لم يفهم عن الخليل ما أراده، ولم يفطن للذى قصده، وإنما أراد الخليل رحمه الله أن حروف (أ ب ت ث) عليها مدار جميع كلام العرب، وأنه لا يخرج شئ منها عنها، فأراد بما ألف منها معرفة جميع ما يتفرع منها إلى آخره، ولم يرد أنه حصل ما لفظوا به من الألفاظ على اختلافها، ولكنه أراد أن ما أسس ورسم بهذه الحروف، وما بين من وجوه ثنائيها وثلاثيها ورباعيها وخماسيها، فى سالمها ومعتلها على شرح وجوهها أولاً فأولاً حتى انتهت الحروف إلى آخرها يُعرف به جميع ما هو من ألفاظهم إذا تتبع، لا أنه تتبعه كله فحصله أو استوفاه فاستوعبه من غير أن فاته من ألفاظهم لفظة، ومن معانيهم للفظ الواحد معنى، ولا يجوز أن يخفي عن الخليل مع ذكاء فطنته وثقوب فهمه أن رجلاً واحداً ليس بنبي يوحي إليه يحيط علمه بجميع لغات العرب وألفاظها على كثرتها حتى لا يفوته منها شئ، وكان الخليل أعقل من أن يظن هذا ويقدره، وإنما معنى جماع كلامه ما بينته فتفهمه ولا تغلط عليه فإذا كانت الإحاطة بما استعمل من كلام العرب لا يتأتي لدارس فإدعاء الإحاطة بكل الوجوه المحتملة المتأتية من وجوه الثنائي، والثلاثي والرباعي والخماسي وجمعها فى كتاب لا يصدر عن جاهل متحذلق مدع فكيف يتوهم صدوره عن دارس مثل الخليل!

فالخليل إذن بهذه العملية الرياضية لم يكن ليعني أن هذه الوجوه المحصلة من المفردات كلها كان مستعملاً ولكنه كان يعني أنه يريد إلى حصر المستعمل منها، ولم يزعم أن ما يريد إلى حصره كان هو عارفاً به، حافظاً له ولكنه كان يريد أن يخطط لكتاب يستوعب تخطيطه جميع المستعمل من كلام العرب لا يشذ منه شئ.

يؤيد هذا أن الخليل كان يقول فيما قدم به لكتاب العين: اعلم أن الكلمة الثنائية المضاعفة تتصرف على وجهين، نحو: قد ودق، وشد ودش. والكلمة الثلاثية تتصرف على ستة أوجه تسمي مسدوسة، وهى نحو ضرب، رضب، ربض، ضبر، برض. والكلمة الرباعية تتصرف على أربعة وعشرين وجهاً وذلك أن حروفها وهى أربعة أحرف ضربت فى وجوه الثلاثي الصحيح وهى ستة، فصارت أربعة وعشرين وجهاً يكتب مستعملها ويلغى مهملها، وهى نحو عبقر يقوم منه: عبقر، عبرق، عقبر، عقرب، عرقب، عربق، قعرب، قعبر، قبرع، قرعب، قربع، رعقب، رعبق، رقعب، رقبع، ربعق، بعقر، بعرق، بقعر، بقرع، برعق، برقع، والكلمة الخماسية تتصرف على مائة وعشرين وجهاً وذلك أن حروفها وهى خمسة أحرف ضربت فى وجوه الرباعي وهى أربعة وعشرون وجهاً فصارت مئة وعشرين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير