ولما زادت درجة الاهتمام بالعمل الاستشراقي رأي بعض العلماء في أواسط القرن التاسع عشر ضرورة أن يؤلفوا بعض المراجع في العلوم العربية. وقد ألف وستنفلد F. Wustenfeld الألماني (تاريخ الأطباء العرب) سنة 1840م. وصدر بعد سنتين من نشر الكتاب السابق كتاب العالم اللاتيني ونريخ G.Wenrich وهو يتناول الترجمات العربية عن الإغريقية.
ويعد من غرائب القرن التاسع عشر ظهور كتاب ضخم في سبعة أجزاء بعنوان تاريخ الأدب العربي لمؤلفه هامَّر بورجشتال J.Hammer - Purgstall وقد نشر في فينا بين سنوات 1850 – 1856م. وقد اتهمه ناقدوه بعدم معرفته اللغة العربية, وأخذوا عليه أغلاطاً فظيعة, ومع ذلك فإن هذا العالم النمساوي يستحق تقديرنا لأنه استطاع أن يجمع أسماء الآف من العلماء المسلمين مع نبذة عن حياتهم. وكان أحياناً يترجم كتبهم في شتى العلوم الأدبية والعقلية والطبيعية.
ومن أهم ما نشر في أواخر القرن التاسع عشر فهرس مكتبة برلين الذي ألفه آلوارد W.Ahlwardt في عشرة مجلدات كبيرة بين سنوات 1887 – 1899م. وينبغي أن يعد هذا الكتاب العظيم - وهو فهرسة للمخطوطات العربية في مكتبة برلين - أول عمل علمي واسع المدى حاول مؤلفه أن يصنف مواده تصنيفاً تاريخياً دقيقاً.
واستطاع كارل بروكمان C.Brockelmann معتمداً على فهرس آلوارد أن يؤلف كتابه "تاريخ الأدب العربي" في مجلدين بين سنوات 1898 – 1902م.
وكانت هناك محاولات أخرى هامة تمت في أواخر القرن التاسع عشر أو في منقلب هذا القرن إلى القرن العشرين. وذلك مثل الكتب الثلاثة التي أصدرها شتاينشايدر M.Steinschneider عن الترجمات العربية من الإغريقية, والترجمات العبرية عن العربية, وترجمات الكتب العربية إلى اللغات الأوروبية ... إلى غاية القرن السابع عشر الميلادي, ومثل كتاب العالم السويسري زوتر H.Sute عن الرياضيين والفلكيين العرب وكتبهم. وقد استطاع أن يضمن كتابه أسماء - 500 - خمسمائة عالم رياضي وفلكي عربي وكتبهم, مع الإشارة إلى المخطوطات المعروفة لديه في مكتبات أوروبا ودار الكتب المصرية في القاهرة, معتمداً في ذلك على الفهارس المنشورة.
ولقد اتسعت حدود الدراسات الاستشراقية في القرن العشرين سنة بعد سنة, حتى اضطر بروكلمان إلى أن يعد ملحقاً في ثلاثة مجلدات, صدرت بين سنوات 1937 – 1942م.
وكان الاعتقاد السائد أن تاريخ العلوم العربية والإسلامية لا يمكن أن يكتب إلا بعد أن يعد ثبت بأعمال المسلمين والعرب في مختلف العلوم, وإن هذا العمل أيضاً ينبغي أن تسبقه دراسات لمسائل جزئية تستغرق قرناً كاملاً على الأقل. ولما كان هذا الاعتقاد مسيطراً على ذهن بروكمان فإنه اكتفى في كتابه بسرد تراجم العلماء مع تعداد مؤلفاتهم التي ما تزال مخطوطاتها في المكتبات المختلفة. وما يزال هذا الاعتقاد المشار إليه سائداً حتى يومنا هذا.
وكانت هناك فكرة يشترك فيها معظم المستشرقين, وهي أن عمل بروكمان يجب أن توسع دائرة مواده حتى يشتمل على مخطوطات التراث العربي في العالم بأسره. وهذا ما يسعى إليه عدد من المشرفين الأوروبيين والأمريكان, وفي مؤتمر المستشرقين العالمي الذي عقد في استانبول سنة 1951م. تولت إحدى اللجان دراسة هذا المشروع.
لقد كنت أدرس في جامعة إستانبول سنة 1942 إلى سنة 1947م على المستشرق الشهير ريتر H.Ritter الذي أدين له بفضل كبير في دراستي للعلوم الإسلامية. وطالما سمعت منه أن كتاب بروكلمان لا يشتمل على الكثير من نوادر المخطوطات في مكتبات إستانبول, وهذا ما دفعني إلى التفكير في تذييل كتاب بروكلمان ... ومضيت في جمع المواد إلى سنة 1958م. حيث بدا لي أن تذييل كتاب بروكلمان يجب أن توسع حدوده بناء على ثبت المخطوطات العربية في المكتبات المعروفة في العالم.
وابتدأت سعياً وراء تحقيق هذا الأمل بالقيام برحلات متعددة ثم شرعت في التأليف سنة 1961 حيث تبين لي بعد سنتين أن تذييل كتاب بروكلمان ليس له فائدة كبيرة, وإنما يجب أن يجدد عمل بروكلمان بالاعتماد على المواد التي لم تكن معروفة لديه.
وفي سنة 1965م. كانت مسودة مجلدين قد اكتملت, وكان المجلد الأول يتضمن علوم القرآن والحديث والتاريخ والفقه والعقائد والتوحيد والتصوف. ويتضمن المجلد الثاني الشعر والنثر واللغة والنحو والبلاغة والعروض.
¥