وفي أثناء طبع المجلد الأول هداني التفكير إلى أن الكتاب يجب أن يكون مستقلاً عن كتاب بروكلمان, ويجب على أن يهتم بتاريخ الفكر وبمسألة تطور العلوم العربية الإسلامية بقدر ما تتيح لي ذلك دراسات المتخصصين ودراساتي الشخصية ... وقد حدا بي هذا الموقف إلى تجنب طبع المجلد الثاني.
وأرى أن أتوقف هنا عن سرد مراحل تأليفي لكتاب "تاريخ التراث العربي" لأحدثكم عما تم حول تنفيذ مشروع المستشرقين الذي أشرت إليه منذ قليل. فقد نجحت اللجنة التنفيذية في أن تحصل في سنة 1961م على المساعدة المالية اللازمة من هيئة اليونسكو Unesco وعلم بعض المسؤولين بالمراحل التي قطعتها في الكتاب فطلبوا من اللجنة التنفيدية أن تعترف بالعمل الذي أنجزته, وأن تمنحني المساعدة التي قدرتها اليونسكو لأستعين بها في إتمام عملي. وقد ألفوا لجنة من عدد من الأوروبيين والأمريكان لتنفيذ مشروع الكتاب الذي كانوا يهدفون إليه, وذكروا في قرارهم أن المواد التي جمعتها ربما كانت مفيدة لهم في المضي في مشروعهم. واجتمعت اللجنة المشار إليها سنة 1964م. في مدينة بروكسل Bruxelles لاتخاذ القرار النهائي, وكتبت إلي تسألني عن رغبتي في المضي في العمل أو مساعدتهم بتقديم المواد العلمية. وقد أجبت اللجنة أنني أنهيت تأليف المجلدين الأولين من كتابي, وأن هذا الكتاب ينبغي أن يؤلف في مرحلته هذه من قبل شخص واحد حتى يسوده فكر موحد منسجم دون تناقضات. وبناء على هذا ألغيت اللجنة السابقة دون تقبل بتقديم مساعدة اليونسكو إلي.
وعلى الرغم من ذلك فقد مضيت في تأليف كتابي موقناً بأن الله وحده هو المعين الحقيقي الذي يزيل كل العقبات والصعاب.
وإني لأذكر كم كانت السنوات الماضية شاقة, وكم كانت الظروف قاسية. ولقد كاد اليأس أن يدفعني إلى عدم الاستقرار في العمل, لولا شعوري بأهمية المسؤولية التي تحملتها, وهي مسؤولية أقوى من اليأس. وإني لأرى اليوم نعمة الله وفضله على عياناً إذ أتمت طبع المجلدات الستة الأولى من الكتاب, وأخذت في تأليف المجلد السابع.
لقد سمحت لنفسي أن أسرد عليكم قصتي في تأليف كتابي حتى لا تبقى هذه القصة بمراحلها المختلفة مجهولة لديكم. وأريد الآن أن أعطيكم تصوراً عما تحتويه المجلدات التي كملت طباعتها باللغة الألمانية وعن مشروعي للمجلدات القادمة.
1. المجلد الأول: قدمت أن هذا المجلد ألف بادئ الأمر ليكون تجديداً لعمل بروكلمان غير أن كتاب بروكلمان يبتدئ بالشعر والنحو واللغة والتاريخ والعلوم العربية والفلسفية والعلوم الطبيعية بينما يحتوي المجلد الأول من كتابي على علوم القرآن والحديث والتاريخ والفقه والعقائد والتوحيد والتصوف وذلك منذ نشأة هذه العلوم إلى سنة 430هـ, وقد نشر هذا المجلد سنة 1967م.
2. المجلد الثاني: وهو يحتوي على الشعر. ولما كنت قد أنهيت مسودة هذا المجلد الأول مع مسودة علم اللغة والنحو والبلاغة والنثر فقد اضطررت إلى تأخير طباعته لإدخال كثير من التغيير, ولذلك فقد تأخرت طباعةهذا المجلد إلى سنة 1975م.
3. المجلد الثالث: نشر سنة 1970 يحتوي على الطب والبيطرة وعلم الحيوان.
4. المجلد الرابع: نشر سنة 1971 يحتوي على الكيمياء والنبات والزراعة.
5. المجلد الخامس: نشر سنة 1973 يحتوي على الرياضيات.
6. المجلد السادس: وهو ما يزال قيد الطبع وستنتهي طباعته في مدى ثلاثة شهور إن شاء الله تعالى. وهو يحتوي على علم الفلك وأحكام النجوم والآثار العلوية, وسيصدر في ألف صفحة تقريباً.
7. المجلد السابع: أعمل في إعداده للطبع, وأرجو أن يوفقني الله إلى إكماله في سنة ونصف السنة إن شاء الله تعالى. وهو يحتوي على علم اللغة والنحو والبلاغة ... إلخ.
8. المجلد الثامن: وسيحتوي على علم الفلسفة والمنطق وعلم النفس والأخلاق والسياسة وعلم الاجتماع. وقد ألفت قسماً منه.
9. المجلد التاسع: وسيحتوي على الجغرافية والفيزياء والجيولوجيا والموسيقى.
10. المجلد العاشر: وهو المدخل إلى العلوم الإسلامية, ويتضمن نشأة العلوم الإسلامية وتطورها- التجربة – النظرية – المشاهدة – خلفية النقد وأسلوبه – أمانة النقل عند العلماء المسلمين – المقارنة بينهم وبين الإغريق واللاتين في صفات الأمانة والدقة والاحتياط – أثر العلماء المسلمين في أوروبا في سائر النواحي.
¥