ومِنْ تلك الفنون التي طرقوها، وكانوا رأساً فيها: علوم القرآن، ورسم المصحف وضبطه، والتفسير والقراءات، والتوحيد والاعتقاد، ومعرفة مذاهب الفرق والمِلَل والنِّحَل، والفقه وأُصُوله وقواعده، والأحكام السلطانية، وأحكام القضاء، والفتاوى والنوازل، والحديث وشروحه ومصطلحه ورجاله وأحوال أسانيده ومتونه وعِلَله، والإجازات والأثبات والمعاجم والمشيخات والُمسَلْسَلات، وفضائل الأمور ومكروهاتها، والمواعظ، والألغاز فقهيَّة ونحويَّة وتاريخيَّة وغيرها، وتأويل الرُّؤَى، والنَّحو، والصرف، واللُّغة، والبلاغة، والعروض، والآداب، والرِّحلات، والرِّياضيات، والكيمياء، والهندسة، والفلاحة، والفراسة، وعِلْم السّكّان، وعِلْم الحيوان، وعِلْم البِحَار، والِحكْمة والفَلْسفة والمنطق، وآداب البحث والمناظرة، والإدارة والأموال والِحرَف والبَيْزرة، والتّاريخ والتّراجم والسِّيَر، والصَّيدلة، والطِّب النَّبوي، والطِّب البَيْطريّ، والفَلَك، والقيافة، وعِلْم الِميْقات، وعِلْم النَّبات، وعِلْم النَّفس، وعِلْم الَهيْئة، وعِلْم الوَضْع، والعلوم الطبيعيَّة، والعلوم العسكريَّة، واللُّغات والمعجمات، وغيرها.
وبلغتْ مؤلفاتُهم في هذه الفنون والعلوم وغيرها الآلاف حَتَّى خرجتْ عن الإحصاءِ والعَدِّ، بل نَدَّتْ حتَّى عن معرفة ما طرقوا، وما ألَّفوا.
وقد تفرَّقتْ مؤلَّفاتهم هذه في أصقاع الأرض، لِتَفَرُّقِ بلدانهم وتباعدِ ديارهم، أو بسبب نَقْلِها وحَمْلها مِنْ بلد إلى آخر. وكان للدّول الاستعماريَّة والمستشرقين في العصر الحديث نصيبٌ وافرٌ في إخراجها من بلاد المسلمين ونقلها إلى بلدانهم.
واستشعارا من مركز الملك فيصل لهذا التفرُّقِ والتَّشتُّت، وقيامًا بواجبه: سعى إلى إنشاء منظومة متكاملة لخدمة التراث الإسلامي، ولَمِّ شتاته. فأوجدَ قواعد حاسوبيَّة، أدخل فيها جميع ما بلغه من معلومات عن هذا التراث العظيم.
فأنشأ قاعدة للكتب المحققة والمنشورة، فيها بيانات كل كتاب طُبع محققًّا أو بغير تحقيق، واسم المُحقِّق – إِنْ وُجِدَ – وسنة طبعه، ومكانه، واسم النّاشر، بحسب المصادر والمراجع المُتوافرة لدى المركز.
وقاعدة أُخرى للرّسائل الجامعيَّة، فيها عنوان الرّسالة، ونوعها، واسم الطّالب، والمشرف، والمناقشِيْنِ، والجامعة، وتاريخ المناقشة، ونحو ذلك.
وقاعدة بحثيَّة ثالثة: أدخل فيها الموضوعات والمسائل المطروقة في الكتب المطبوعة تُراثيَّة وغير تراثيَّة، والدّوريّات، وغيرها، بتكشيف دقيق، ليدلَّ الباحثَ على الكتب والدّوريات والرّسائل التي تعرَّضتْ لموضوعه وتصلح أَنْ تكون مرجعًا أو مصدراً لبحثه.
ثُمَّ أنشأ المركزُ أخيرًا قاعدةً رابعةً، سَمَّاها «خزانة التّراث»، أدخل فيها فهارس المخطوطات الإسلاميَّة في جميع المكتبات والخزانات ومراكز المخطوطات في العالم مِمّا لها فهارس مطبوعة، أو سجلات قَيْدٍ استطاعَ الحصولَ عليها، أو على صورة مِنْهَا.
وكان العمل فيها على النَّحو الآتي:
1. جمع كثير من فهارس المخطوطات لسائر الخزانات التراثية في العالم، سواء أكانت خزائن حكومية، أم أهلية، أم لأفراد، أم غيرها، مطبوعة منشورة، أو مكتوبة كتابة أولية.
2. ترتيب هذه الفهارس حسب دولها ترتيبًا أبجديًا.
3. إدخالها في قاعدة معلومات تم تصميمها لهذا الغرض.
4. مراجعة صحة الإدخال وسلامته.
5. توحيد المداخل المتباينة في الظاهر، والمتفقة في الحقيقة، لعناوين المخطوطات، وأسماء المؤلفين، وألقابهم، الناتجة من اختلاف ثقافات المفهرسين ومصادرهم.
6. تصحيح البيانات المدخلة، إنْ كانت المعلومات في الفهارس ناقصة، أو وهمية، أو خاطئة.
7. التنبيه عند الحاجة على بعض الإشكالات أو الأوهام، أو الإشارة إلى فائدة.
8. ترجمة فهارس المخطوطات العربية والإسلامية المكتوبة باللغات الأجنبية، ثم إدخالها بعد الترجمة، سواء كانت تلك اللغات إنجليزية أم فرنسية أم إيطالية أم فارسية أم روسية أم إسبانية أم غيرها.
وبعد جُهْدٍ متواصلٍ دام أربعة عشر عامًا من بداية المشروع عام (1412هـ = 1992م)، حتَّى هذا العام (1426هـ = 2005م): سعى المركزُ إلى بَذْلِه للباحثين، وتيسيره لهم، فجعلها في برنامجٍ بحثيٍ سَهْلٍ، تولَّى إصداره والإشراف عليه، ها هو ذا بين يديك.
ولن تجد مشقَّةً ولا عناءً في البحث عن أَيِّ مخطوط تريده، أو مُؤَلِّفٍ ترغب في الاطلاع على إنتاجه؛ فمِنْ خلال مداخل البحث المختلفة المتعدّدة تستطيع الوصول إلى بغيتك في وقت ضئيل في ثوان معدودة.
مع الإشارة إلى أَنَّ المركزَ ما زال مُسْتمرًا في تغذية هذه الخزانة وتصحيحها، وتوحيد مداخلها، لِيَصِلَ ـ بمشيئة الله ـ إلى أعلى درجات كمالها وتمامها.
وقد ضَمَّتْ هذه الخزانة فهارس مخطوطات المركز المطبوعة وغير المطبوعة الأصليَّة والمصورة، وقد تجاوزتْ عناوينُ المخطوطات المحفوظة في المركز - أُصولاً ومُصوَّراتٍ - الخمسين ألفًا، بحمد الله.
¥