تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومثل هذا الحكم تأخذ به أيضاً القوانين الأخرى والاتفاقات الدولية، يقول السنهوري: (وهناك مصنفات يقوم بها موظفو الدولة بحكم وظائفهم كمشروعات القوانين وكالأحكام القضائية وكالتقارير الاقتصادية والمالية والعلمية والتعليمية والإحصاءات وما إلى ذلك من الوثائق الرسمية فهذه كلها تقع في الملك العام ولا يكون للدولة ولا لمن وضعوها ولا لأيّ أحد آخر حق المؤلف عليها، إذ يراد بهذه الوثائق أن تكون في يد كل فرد) (الوسيط 8/ 303)، ويقول في موضع آخر (فهذه الوثائق هي حق سائغ للجميع إذ يراد بها أن تكون في متناول كل فرد (الوسيط 8/ 303).

6 - ولكن ما شأن المؤلفات الشرعية التي لا تقع ضمن المصنفات المنصوص عليها في المادة السادسة من النظام أنه ليس لها حق مالي فهل لها حق مالي، وهل تسري عليها في ما يتعلق بهذا الحق الحماية المنصوص عليها في المادة الثالثة؟

للإجابة على السؤال لا بد من أخذ الأمور الآتية في الاعتبار:

أ - أن التوقيع عن الله ببيان الحلال والحرام وبذل العلم بالله والعلم بما يحب ويرضى وما يكره ويسخط، والدعوة إلى الله – وهي أحسن القول وسبيل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومن تبعه – والجهاد باللسان والقلم هي مضمون التعريف الذي قدمناه لما نقصده بعبارة المؤلفات الشرعية، وهي من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه ويتعبد به، وأساس العبادة ولبها إخلاصها لله وتنزيهها عن شوائب الشرك بحظوظ النفس.

والأصل أن كل مسلم ينبغي أن يظن به الظن الحسن، وأن يفترض فيه مراعاته لهذا الأمر العظيم وقصده إياه (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي).

ب - واجب كل مسلم الغيرة على قيم الإسلام التي تميز المسلم الذي يرجو لقاء الله ويرى الحياة الدنيا مجرد مرحلة للتزود للآخرة ومتاعها متاع الغرور ويكون أمله في الباقيات الصالحات، تميزه عن الكافر الذي يرى الحياة الدنيا هي الغاية والمنتهى، ومقتضى تلك الغيرة على قيم الإسلام الانتباه والتيقظ لما يمكن أن يقدح فيها أو يضعفها.

ولا حرب على القيم في أيّ مجتمع أشد وأنكى من أن تدب إليها مظاهر من السلوك وتتكرر من أفراد المجتمع حتى تصبح عادةً ومعروفاً لا ينكر ولا يستنكر، وأسمى القيم في المجتمع المسلم شيوع روح الاحتساب وتوقي الشح والاستعداد للبذل لله وفي سبيله.

وإن تشجيع الأثرة والأنانية واستشراف أيّ مؤلف لمصنف شرعي لأن ينال ثمن عمله في مصنفه من متاع الدنيا بدلاً من أجر الآخرة وإن التمكين لوجود قاعدة عامة وعرف سائد، أن ينال مصنف المؤلف الشرعي ثمن جهده فيه ثمناً بخساً دراهم معدودة، وإنّ شيوع أنّ الاحتساب وابتغاء وجه الله هو الاستثناء من القاعدة العامة، كل ما سبق عوامل إضعاف بل هدم للقيم السامية التي أتم الله بها نعمته على المسلم ورضي له.

وهذا كله يعني أنه لغرض الموازنة بين المصالح والمفاسد عند الاجتهاد في الحكم على النوازل والواقعات يجب الانتباه إلى أن المحافظة على قيم الإسلام وحياطتها من عوامل الضعف والإضعاف مصلحة عظمى، توزن بوزنها الحقيقي عند الترجيح بينها وبين المصالح الأخرى التي يبرر بها المؤلفون وغيرهم أخذ المقابل المالي عن التأليف.

جـ - أول ما صدر من القوانين المنظمة للحق المالي للمؤلف صدر عن حكومة الثورة الفرنسية، وهذه الثورة قامت أساساً لإعلاء كلمة العلمانية (اللادينية) وعزل الدين عن السلطة الزمنية، ومع ذلك لم تستطع هذه القوانين إغفال الاعتبارات الأدبية ورعاية المصلحة العامة وحقوق الإنسانية باعتبارها شريكة حقيقية للمؤلف في إنتاجه، بل إن مساهمة الإنسانية تمثل العنصر الغالب والأهم في الإنتاج، فالمؤلف إنما قام بالتعبير عن أفكاره بواسطة اللغة، واللغة عمل للإنسانية سابق للمؤلف، وقد توسل بالكتابة ولم يكن هو الذي ابتكرها، وأغلب عناصر التفكير في المؤلف استقاها من مؤلفين سابقين، لذلك لم تعتبر تلك القوانين الحق المالي للمؤلف – بعد أن قررته - حقاً مطلقاً لا من حيث الزمن ولا من حيث نوع المؤلف ولا من حيث وجه الانتفاع به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير