"والقسم الثالث من المقلدة: وهم العلماء الجامدون على المذاهب تقليدا لا تنقيدا واتباعا، ويزيدون على ذلك عداوتهم لمن يعلن طلب الدليل والبحث عنه والدعوة لاتباعه ...... وكما قال جعفر الكتاني - كذا - في الرد على عبد الله السنوسي: وبعد؛ فقد نبغت نابغة من المجوس رأسهم ابن حزم يقولون: لا يجوز العمل إلا بكتاب الله وحديث رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. فسماهم: "مجوسا" (كذا)، وجعل علة تمجسهم: قولهم: لا يجوز العمل إلا بكتاب الله والحديث".
"ثم قال في آخر كتابه الخرافي (كذا): الفصل العاشر: في تحريم العمل بكتاب الله وحديث رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ... إلخ. هكذا يصرح بالتحريم بكل جرأة ووقاحة (كذا) " .... انتهى النقل عن أحمد الغماري بلفظه ...
وأنبه القاريء الكريم أن هذه النقول باطلة ليست موجودة نهائيا، والكتاب المذكور عندي بتصحيح ابن مؤلفه الإمام أبي زيد عبد الرحمن بن جعفر الكتاني، رحمه الله، وليس فيه شيء مما ذكر، بعد البحث والتنقيب ....
ولولا أن هذا النقل تناقله الناس، ووجدت العديد ممن اعتمده في بعض الكتب على أنه صحيحٌ مسلّم، لما تدخلت لتبيين الحق في الموضوع ...
وقد كنت نبهت عدة من الباحثين ومنهم الشيخ محمود سعيد على أن هذا النقل غير صحيح، وعاتبته على الإتيان به، لأن القول به كفر بواح لا يشك في ذلك اثنان، فوعدني بعدم العودة إليه، وتصحيح الخطأ ...
ولولا أن نقلا كهذا يفضي بكفر قائله، الذي هو جدي الخامس - رحمه الله تعالى - زيادة على أنه غير صحيح البتة، لما فتحت هذا الموضوع، الذي له ما بعده ...
فأقول، مستعينا بالله تعالى:
أما قوله: "قال جعفر الكتاني في رده على عبد الله السنوسي .... "إلخ ...
ففيه أمران؛ الأول: أن هذا الذي سماه جعفر الكتاني، هو شيخ الإسلام في المغرب، وولي نعمة والده، الشيخ جعفر بن إدريس الكتاني، أستاذ جل علماء المغرب في وقته، والذي طبق ذكره الآفاق، وهو صاحب كتاب "الدواهي المدهية"، وغيره من الكتب النافعة الأثرية التي قاربت المائة ... وقالوا عنه: كان المولى الحسن الأول، والمولى عبد العزيز لا يمضيان فتوى ما لم يوقعها هو، حسبما في كتاب "فاس عاصمة الأدارسة" لجدنا الشيخ المنتصر الكتاني رحمه الله تعالى.
الثاني: أن المؤلف - رحمه الله - لم يصرح باسم الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي، إنما جعل الكتاب عاما، لأنه يرد على الفكرة لا على الشخص، واسم الكتاب: "الفجر الصادق، المشرق المفلق، في إبطال ترهات الثرثار المتشدق المتفيهق". والشيخ عبد الله السنوسي كانت له علاقة طيبة بآل المترجم، رحم الله الجميع، وجده الشيخ محمد بن أحمد السنوسي شيخ الشيخ جعفر، ووصفه في "الشرب المحتضر" حين ترجم له بالإمام ...
أما قوله: "وبعد؛ فقد نبغت نابغة من المجوس رأسهم ابن حزم يقولون: لا يجوز العمل إلا بكتاب الله وحديث رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. فسماهم: "مجوسا" (كذا)، وجعل علة تمجسهم: قولهم: لا يجوز العمل إلا بكتاب الله والحديث".
قلت هذا الكلام ليس موجودا إلا في ذهن السيد الغماري غفر الله لنا وله، وقد راجعت النسخة المذكورة، وهي نسخة الشيخ، في خزانة ابنه الإمام محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله، والذي فيها ص1: "وبعد؛ فقد بلغنا في هذه الأعوام عن رجل كنا نعرفه من جملة الطلبة المبتدئين، وغاب لناحية المشرق مدة .... إلخ"، وليس في الكلام لا اتهام بالمجوسية ولا بما هو من ضربها ...
وفي آخر الصفحة التالية قوله: "سلك في جل ذلك مسلك علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظاهري" .... ثم نقل من ترجمة ابن حزم ما فيه إطراء كبير، وانتقاد ..
وقد بحثت عن كلام السيد الغماري ونقله فلم أجد شيئا من ذلك ...
ثم قوله: "ثم قال في آخر كتابه الخرافي (كذا): الفصل العاشر: في تحريم العمل بكتاب الله وحديث رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ... إلخ. هكذا يصرح بالتحريم بكل جرأة ووقاحة (كذا) " ...
قلت: قوله الخرافي، على عهدته ...
وقوله: "بكل جرأة ووقاحة" .. عقوق.
وقوله: الفصل العاشر .... إلخ .. هو كفر بواح يكفر به شيخ شيوخه، فقول ذلك كفر بلا شك، وكلامه مردود من وجوه:
الأول: أن الكتاب مكون من مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة ... فمن أين أتى بالفصل العاشر؟.
¥