تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

موحشة وعواقب مخزية.

فقال لَهُ البخاري ابن العباس: ولم ذلك أيها الشيخ؟

فقال: إن الشريعة مأخوذة عن الله عزّ وجلّ بوساطة السفير بينه وبين الخلق من طريق الوحي وباب المناجاة وشهادة الآيات وظهور المعجزات، وفي أثنائها ما لا سبيل إِلَى البحث عنه والغوص فيه، ولا بد من التسليم المدعو إليه والمنبه عليه، وهناك يسقط لِم ويبطل كَيْفَ ويزول هلا ويذهب لو لويت فِي الريح؛ لأن هذه المواد عنها محسوسة وجملتها مشتملة على الخير وتفصيلها موصول على حسن التقبل وهي متداولة بين متعلق بظاهر مكشوف وصحيح بتأويل معروف وناصر باللغة الشائعة وحام بالجدل المبين وذاب بالعمل الصالح وضارب للمثل السائر وراجع إلى البرهان الواضح متفقة فِي الحلال والحرام ومستند إِلَى الأثر والخبر المشهورين بين أهل الملة وراجع إلى اتفاق الأمة، ليس فيها حديث المنجم فِي تأثيرات الكواكب وحركات الأفلاك ولا حديث صاحب الطبيعة الناظر فِي آثارها وَمَا يتعلق بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وَمَا الفاعل وَمَا المنفعل منها وكيف تمازجها وتنافرها، ولا فِيهَا حديث المهندس الباحث عن مقادير الأشياء ولوازمها ولا حديث المنطقي الباحث عن مراتب الأقوال ومناسب الأسماء والحروف والأفعال.

قال: فعلى هذا كيف يسوغ لإخوان الصفا أن ينصبوا من تلقاء أنفسهم دعوة تجمع حقائق الفلسفة في طريق الشريعة على أن وراء هذه الطوائف جماعة أيضا لهم مأخذ من هذه الأغراض كصاحب العزيمة وصاحب الكيمياء وصاحب الطلسم وعابر الرؤيا ومدعى السحر ومستعمل الوهم فقال ولو كانت هذه جائرة لكان الله تعالى ينبه عليها وكان صاحب الشريعة يقوم شريعته بها ويكملها باستعمالها ويتلافي نقصها بهذه الزيادة التي تجدها في غيرها أو يحض المتفلسفين على إيضاحها بها ويتقدم إليهم بإتمامها ويفرض عليهم القيام بكل ما يذب عنها حسب طاقتهم فيها ولم يفعل ذلك بنفسه ولا وكله إلى غيره من خلفائه والقائمين بدينه بل نهي عن الخوض في هذه الأشياء وكره إلى الناس ذكرها وتوعدهم عليها وقال من أتى عرافا أو كاهنا أو منجما يطلب غيب الله منه فقد حارب الله ومن حارب الله حرب ومن غالبه غلب وحتى قال لو أن الله حبس عن ذلك الناس القطر سبع سنين ثم أرسله لأصبحت طائفة كافرين يقولون مطرنا بتؤ المجدح وهذا كما ترى.

ثم قال: ولقد اختلفت الأمة ضروبا من الاختلاف في الأصول والفروع وتنازعوا فيها فنونا من التنازع في الواضح والمشكل من الأحكام والحلال والحرام والتفسير والتأويل والعيان والخبر والعادة والاصطلاح فما فزعوا في من شيء ذلك إلى منجم ولا طبيب ولا منطقي ولا هندسي ولا موسيقي ولا صاحب عزيمة وشعبذة وسحر وكيمبياء لأن الله تعالى تمم الدين بنبيه صلى الله عليه وسلم ولم يحوجه بعد البيان الوارد بالوحي إلى بيان موضوع بالرأي وقال وكما لم نجد هذه الأمة تفزع إلى أصحاب الفلسفة في شيء من أمورها فكذلك ما وجدنا أمة موسى صلى الله عليه وسلم وهي اليهود تفزع إلى الفلاسفة في شيء من دينها وكذلك أمة عيسى صلى الله عليه وسلم وهي النصارى وكذلك المجوس قال ومما يزيدك وضوحا أن الأمة اختلفت في آرائها ومذاهبها ومقالاتها أصنافا فيها وفرقا كالمعتزلة والمرجئة والشيعة والسنية والخوارج فما فزعت طائفة من هذه الطوائف إلى الفلاسفة ولا حققت مقالتها بشواهدهم وشهادتهم وكذلك الفقهاء الذين اختلفوا في الأحكام من الحلال والحرام منذ أيام السفر الأول إلى يومنا هذا لم تجدهم تظاهروا بالفلاسفة واستنصروهم.

وقال: وأين الآن الدين من الفلسفة وأين الشيء المأخوذ بالوحي النازل من الشيء المأخوذ بالرأي الزائل فإن أدلوا بالعقل فالعقل من هبة الله عز وجل لكل عبد ولكن بقدر ما يدرك به ما يعلوه كما لا يخفى عليه ما يتلوه وليس كذلك الوحي فإنه على ثورة المنتشر وبيانه المتيسر قال ولو كان العقل يكتفي به لم يكن للوحي فائدة ولا غناء على أن منازل الناس متفاوتة في العقل وأنصباؤهم مختلفة فيه فلو كنا نستغني عن الوحي بالعقل كيف كنا نصنع وليس العقل بأسره لواحد منا فإنما هو لجميع الناس.

فإن قال قائل بالعنت والجهل: كل عاقل موكول إلى قدر عقله وليس عليه أن يستفيد الزيادة من غيره لأنه مكفيه وغير مطالب بما زاد عليه، قيل له: كفاك عارا في هذا الرأي أنه ليس لك فيه موافق ولا عليه مطابق، فلو استقل إنسان واحد بعقله في جميع حالاته في دينه ودنياه لاستقل أيضا بقوته في جميع حاجاته في دينه ودنياه ولكان وحده يفي بجميع الصناعات والمعارف والمعارف وكان لا يحتاج إلى أحد من نوعه وجلسه وهذا قول مرذول ورأي مخذول.

...... إلخ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير