قوله: " فرأيته يصلي على حصير يسجد " فيه دليل على جواز الصلاة على شيء يحول بينه وبين الأرض من ثوب وحصير وصوف وشعر وغير ذلك , وسواء نبت من الأرض أم لا. وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور , وقال القاضي رحمه الله تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة فيه , وأما البسط واللبود وغيرها مما ليس من نبات الأرض فتصح الصلاة فيه بالإجماع , لكن الأرض أفضل منه إلا لحاجة حر أو برد أو نحوهما , لأن الصلاة سرها التواضع والخضوع، والله عز وجل أعلم.
" شرح مسلم " (4/ 233، 234).
3. قال الحافظ ابن حجر:
حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيراً بالليل ويصلي عليه " ... وفيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شريح بن هانئ أنه: " سأل عائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله يقول: (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)؟ فقالت: لم يكن يصلي على الحصير "، ويمكن الجمع بحمل النفي على المداومة , لكن يخدش فيه ما ذكره شريح من الآية.
" فتح الباري " (10/ 314).
4. قال الحافظ ابن حجر:
قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتي بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه , ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض , وكذا روى عن غير عروة , ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه , والله أعلم.
" فتح الباري " (1/ 488).
ثالثاً:
ولا فرق بين كون المسجود عليه من الأرض أم من القطن أم الكتان أم الصوف.
قال البخاري – رحمه الله -:
باب السجود على الثوب في شدة الحر وقال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
وروى تحته:
عن أنس بن مالك قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود.
رواه البخاري (378) ومسلم (620).
قال الحافظ ابن حجر:
قوله: " باب السجود على الثوب في شدة الحر " التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث , وإلا فهو في البرد كذلك , بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة.
قوله: " وقال الحسن: كان القوم " أي الصحابة كما سيأتي بيانه.
قوله: " والقلنسوة " بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو , وقد تبدل ياء مثناة من تحت , وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة , وقد تحذف النون من هذه بعدها هاء تأنيث: غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح , وقال ابن هشام: هي التي يقال لها العمامة الشاشية , وفي المحكم: هي من ملابس الرأس معروفة , وقال أبو هلال العسكري: هي التي تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر , كأنها عنده رأس البرنس.
قوله: " ويداه " أي: يد كل واحد منهم , وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان أن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على العمامة والقلنسوة معا , لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه، ووقع في رواية الكشميهني " ويديه في كمه " وهو منصوب بفعل مقدر , أي: ويجعل يديه.
" فتح الباري " (1/ 493).
قال النووي:
قوله: " فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه " فيه: دليل لمن أجاز السجود على طرف ثوبه المتصل به , وبه قال أبو حنيفة والجمهور , ولم يجوزه الشافعي وتأول هذا الحديث وشبهه على السجود على ثوب منفصل.
" شرح مسلم " (5/ 121).
قال الشوكاني:
وقد ذهب إلى أنه لا بأس بالصلاة على الخمرة الجمهور، قال الترمذي: وبه يقول بعض أهل العلم , وقد نسبه العراقي إلى الجمهور من غير فرق بين ثياب القطن والكتان والجلود وغيرها من الطاهرات , وقد تقدم ذكر من اختار مباشرة الأرض.
" نيل الأوطار " (1/ 151).
رابعاً:
والمنقول عن الأئمة الثقات الأثبات لا يخالف ما سبق من الأحاديث وفقهها الواضح البيِّن، وما نٌقل عنهم فيجب فهمه على وجهه الصحيح، وهو على أنواع:
1. المنع من الصلاة على السجاد إن كان ملوَّنا وذا رسوم ونقوش.
¥