فهذا فيه من الرقة، وعذوبة اللفظ ما لا يكيف، وفيه من الشاعرية والتحبب والتقرب للنبي صلى الله عليه وسلم ما يعلمه أهل البلاغة والبديع والمعاني، فأخذ ألفاظه على ظاهرها فيه ما فيه من التكلف والبداوة ..
على أن ظاهر اللفظ لا خلاف فيه أيضا، فإن الله حرم الأرض على أجساد الأنبياء كما في الحديث الصحيح، ولا شك أن أكابر من الأمة نبشت قبورهم فوجد بها من روائح المسك والعطور ما لا يكيف، ومنهم جدنا الرابع الإمام محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله تعالى، فقد نقل من قبره لقبر آخر بعد موته بسنتين، فوجد كما هو لم تمسه الأرض، وفاحت روائح المسك والعطور بحيث شمها أهل منطقة القباب وباب الفتوح، وخرجوا لجنازته في العاشرة ليلا، وهو أمر متواتر ما زال من حضره أحياء بفاس إلى الآن ...
ناهيك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو سيد الكونين والثقلين والفريقين من عُرب ومن عجم ... وفي الحديث أن قبر المؤمن روضة من رياض الجنة، وأنه يملأ نورا وطيبا، والبيت أعلاه تصديق لهذا، ولا شيء فيه أصلا، ولا انتقاد ...
أما قوله:
أقسمت؛ بالقمر المنشق إن له===من قلبه نسبة مبرورة القسم
فلم أفهم وجه الإنكار؟، وكأن المنكِر فهم أن المؤلف - رحمه الله - أقسم بالقمر المنشق، وهذا غير صحيح، وباعتباره يبقى لا معنى للبيت أصلا ..
فقوله: "أقسمت": قسم محذوف المقسوم به، نحو قولك: أقسمت إنك عظيم القدر كريم الشيم، وكقولك: أقسمت إن محمدا لعلى خلق عظيم ... فهو يقول: "أقسمت إن لمحمد صلى الله عليه وسلم من قلبه بالقمر المنشق نسبة موفورة القسم" ..
وهو هنا يتحدث عن معجزة انشقاق القمر في بحر حديثه عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، والآيات التي أظهر الله بها دينه، ويقول بأن القمر المنشق له من قلب النبي صلى الله عليه وسلم نسبة موفورة القسم، كما أن للبدر في ليلة أضحيان - كما في شمائل الترمذي - من وجهه صلى الله عليه وسلم نسبة موفورة القسم .. ومعنى ذلك؛ أنه لصدق النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته، انشق له القمر مبشرا ومعجزا برسالته، فكما تفطر قلبه حرصا على هداية الناس "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"، فكذلك انشق القمر تأثرا بذلك، وهو ضرب من ضروب البلاغة والمبالغة في التشبيه والاستعارة، يعلمها أهلها ..
أو كما أن قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم انشق بأنوار الهداية والتبشير، انشق القمر مبرزا في آية انشقاقه نور التصديق للرسالة المحمدية، فبينهما نسبة وقسمة موفورة القسم ...
ولو قلنا بأنه أقسم بالقمر المنشق لما عاد للبيت معنى، فلتتفهم ...
أما قوله:
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به===إلا ونلت جوارا منه لم يضم
فهو بعد قوله:
وقاية الله أغنت عن مضاعفة===من الدروع وعن عال من الأطم
فهو يتحدث عن الحق تعالى لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلتتفهم ..
وقول من قال أعلاه بأن الصوفية دسوا بيتا، وهو:
مولاي صلي وسلم دائما أبدا===على حبيبك خير الخلق كلهم
فكلام لا أصل له، والقصة المروية إنما هي عكس ما أراد الإشارة إليه ذلك الكاتب، فالقصة هي أن البوصيري عندما كان يكتب قصيدته قال: فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وعجزت شاعريته عن الإتمام، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم مناما يقول: وأنه خير خلق الله كلهم .. فأضافها للبيت، وهذه الزيادة لا إشكال فيها دينا ولا معنى ...
هدانا الله لما فيه رضاه، وتاب علينا وغفر لنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...