ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[22 - 08 - 06, 08:00 م]ـ
عبد السلام هارون .. مع التراث حيًا وميتًا
(في ذكرى وفاته: 28 من شعبان 1408هـ)
أحمد تمام
لم يخطّ أحد في التراث العربي سطرًا إلا وللعالم الجليل عبد السلام هارون منّة عليه، ويندر أن يتعامل أحد مع المصادر العربية دون أن يستعين بمصدر من تحقيقات الشيخ الجليل؛ فقد قدم للمكتبة العربية عيون التراث مجلّوة في صورة بهية وحلّة قشيبة، وزينها بتعليقات وفهارس دقيقة.
المولد والنشأة
ولد عبد السلام هارون في مدينة الإسكندرية في (25 من ذي الحجة 1326هـ= 18 من يناير 1909م) ونشأ في بيت كريم من بيوت العلم، فجده لأبيه هو الشيخ هارون بن عبد الرازق عضو جماعة كبار العلماء، وأبوه هو الشيخ محمد بن هارون كان يتولى عند وفاته منصب رئيس التفتيش الشرعي في وزارة الحقانية (العدل)، وعمه هو الشيخ أحمد بن هارون الذي يرجع إليه الفضل في إصلاح المحاكم الشرعية ووضع لوائحها، أما جده لأمه فهو الشيخ محمود بن رضوان الجزيري عضو المحكمة العليا.
وقد عني أبوه بتربيته وتعليمه، فحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، والتحق بالأزهر سنة (1340هـ=1921م) حيث درس العلوم الدينية والعربية، ثم التحق في سنة (1343هـ= 1924م) بتجهيزية دار العلوم بعد اجتيازه مسابقة للالتحاق بها، وكانت هذه التجهيزية تعد الطلبة للالتحاق بمدرسة دار العلوم، وحصل منها على شهادة البكالوريا سنة (1347هـ= 1928م) ثم أتم دراسته بدار العلوم العليا، وتخرج فيها سنة (1351هـ= 1945م).
الوظائف العلمية
وبعد تخرجه عمل مدرسًا بالتعليم الابتدائي، ثم عُيّن في سنة (1365هـ=1945م) مدرسًا بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وهذه هي المرة الوحيدة في تاريخ الجامعات التي ينتقل فيها مدرس من التعليم الابتدائي إلى السلك الجامعي، بعد أن ذاعت شهرته في تحقيق التراث، ثم عُيّن في سنة (1370هـ=1950م) أستاذًا مساعدًا بكلية دار العلوم، ثم أصبح أستاذًا ورئيسًا لقسم النحو بها سنة (1379هـ= 1959م) ثم دعي مع نخبة من الأساتذة المصريين في سنة (1386هـ=1966م) لإنشاء جامعة الكويت، وتولى هو رئاسة قسم اللغة العربية وقسم الدراسات العليا حتى سنة (1394هـ= 1975م)، وفي أثناء ذلك اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1389هـ= 1969م).
النشاط العلمي
بدأ عبد السلام هارون نشاطه العلمي منذ وقت مبكر، فحقق وهو في السادسة عشرة من عمره كتاب "متن أبي شجاع" بضبطه وتصحيحه ومراجعته في سنة (1344هـ=1925م)، ثم حقق الجزء الأول من كتاب "خزانة الأدب" للبغدادي سنة (1346هـ= 1927م)، ثم أكمل أربعة أجزاء من الخزانة وهو طالب بدار العلوم.
كانت هذه البدايات تشير إلى الاتجاه الذي سيسلكه هذا الطالب النابه، وتظهر تعلقه بنشر التراث، وصبره وجلده على تحمل مشاق المراجعة والتحقيق، وبعد تخرجه في دار العلوم اتجه إلى النشر المنظم، فلا تكاد تخلو سنة من كتاب جديد يحققه أو دراسة ينشرها.
ولنبوغه في هذا الفن اختاره الدكتور طه حسين (1363هـ=1943م) ليكون عضوًا بلجنة إحياء تراث أبي العلاء المعري مع الأساتذة: مصطفى السقا، وعبد الرحيم محمود، وإبراهيم الإبياري، وحامد عبد المجيد، وقد أخرجت هذه اللجنة في أول عهدها مجلدًا ضخمًا بعنوان: "تعريف القدماء بأبي العلاء"، أعقبته بخمسة مجلدات من شروح ديوان "سقط الزند".
وتدور آثاره العلمية في التحقيق حول العناية بنشر كتب الجاحظ، وإخراج المعاجم اللغوية، والكتب النحوية، وكتب الأدب، والمختارات الشعرية.
أما كتب الجاحظ -أمير البيان العربي- فقد عني بها عبد السلام هارون عناية فائقة، فأخرج كتاب "الحيوان" في ثمانية مجلدات، ونال عن تحقيقه جائزة مجمع اللغة العربية سنة (1370هـ=1950م)، وكتاب البيان والتبيين في أربعة أجزاء، وكتاب "البرصان والعرجان والعميان والحولان" و"رسائل الجاحظ" في أربعة أجزاء، وكتاب "العثمانية".
وأخرج من المعاجم اللغوية: معجم "مقاييس اللغة" لابن فارس في ستة أجزاء، واشترك مع أحمد عبد الغفور العطّار في تحقيق "صحاح العربية" للجوهري في ستة مجلدات، و"تهذيب الصحاح" للزنجاني في ثلاثة مجلدات، وحقق جزأين من معجم "تهذيب اللغة" للأزهري، وأسند إليه مجمع اللغة العربية الإشراف على طبع "المعجم الوسيط".
¥