تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"من المستحيل أن تكون كل هذه الأشعار أو أكثرها مخترعة أو منسوبة إلى غير قائلها بدون سبب، ولا داعٍ إلى ذلك، وذا كذب الرواة أو دسوا على بعض الشعراء شيئاً، فإن ذلك لا يمكن أن يصل إلى مقدار ما نعرفه من الشعر الجاهلي. وكيف يمكن اختراع هذا الشعر الكثير وبه من العبارات والأساليب ما يدّل على أنه بدويُّ صرف، وأيُّ إنسان يمكنه أن يحصل على هذه القدرة ليشغل وقته بذلك، وينسبه إلى غيره، وكان أولى به أن يذكره لنفسه ليفخر به" .. إلى أن قال: "أنرمي كل الرواة وعلماء اللغة والأدب بالكذب، أو نتهمهم بعدم الثقة، لأن حماداً وغيره كذب مرة أو مرتين، وهل يصحُّ أن نحكم على البلد أجمع بالمرض، لأن بها إنساناً مريضاً؟ ([16]) ".

وأما كلمة أبي عَمْرو بن العلاء، فقد بيَّن الدكتور أحمد الحوفي المراد منها بأنها صالحة لأن يكون معناها:

1 ـ أن الحميرية الموغلة في القدم .. هي التي تغاير لغة قريش، فليست حميرية القرن الخامس الميلادي ـ وهو عهد الأدب الجاهلي المروي ـ هي المغايرة للغة قريش، لأن النصوص التي عثروا عليها في النقوش، وفيها خلاف بين اللغتين نصوص معينيّة أو سبئية أكثرها غير مؤرخ، وفي رأي "جلازر" أن أقدمها هي المعينة، وأقدم هذه يرجع إلى القرن الخامس عشر أو السادس عشر قبل الميلاد، وأحدثها يرجع إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد.

2 ـ إن اللغتين عربيتان، ولكن التطور والمكان والزمان والأحداث والألسن ... الخ قد شققت من اللغة لهجتين بدليل قوله، ولا عربيتهم بعربيتنا، والعرب يطلقون على اللهجة اللسان ([17]) ".

ويذكر الشيخ الخضرفي هذا المجال أن طه حسين حرَّف كلمة أبي عمرو بن العلاء لهوى في نفسه ([18]).

وبيَّن الشيخ العاملي خطأ طه حسن في هذه الفكرة بأن الحميرية لغة عربية، وكانت القبائل تجتمع من جنوبيين وشماليين في أسواقها وتتفاهم دون أدنى كلفة، ويساعدهم على ذلك أن لغاتهم أو لهجاتهم على ما كانت عليه كانت متحدة في صميمها، وأن هذا الاختلاف لم يعدُ كونها لهجات للغة واحدة.

ويقدم دليلاً لما يقول في قصة وفد الحجاز عند سيف بن ذي يزن ملك اليمن، وعلى رأس ذلك الوفد سيد قريش عبد المطلب بن هاشم يخطب ببيانه القرشي العدناني، وسيد اليمن يصغي إليه، ويسمع شاعر الوفد أُميَّة بن أبي الصلت ينشد قصيدته بلهجة الفصحى، والملك يُصغي طروباً لا يجد غرابةً في ذلك ([19]).

وفي هذه الأدلة التي سجَّلتها في هذا المقام ردود ملجمة لدعوى الدكتور طه حسين في إنكار الشعر الجاهلي.

وأُضيف ـ في الردِّ على الدكتور طه حسين ـ إلى الأدلة السابقة ما يأتي:

1 ـ رواة الشعر الجاهلي لم يكونوا في غفلة عن نسبة هذا الشعر إلى قائليه، فكان لهم إلمام واسع بهذا الشعر وبأساليبه وبقائليه، ويتحرّون الأمانة فيه. والأصمعي يقول: "سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: لقي الفرزدق في المربد، فقلت يا أبا فراس: أحدثت شيئاً؟

قلت شيئاً؟ قال: فقال: خذ، ثم أنشدني:

كم دون ميَّة من مستعجلٍ قُذُفٍ * ومن فلاة بها تستودع العيس ([20])

قال: فقلت سبحان الله: هذا للمتلمس، فقال: التمسها فَلَضوالّ الشعر أحبّ إليّ من ضوالّ الإبل ([21]) ".

والكسائي، يتحدث الفرَّاء عنه فيقول: "دخلت عليه وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: هذا الملك "يحيى بن خالد" يوجِّه إليِّ ليحضرني فيسألني عن الشيء، فإن أبطأت في الجواب الحقني منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل .. فقلت له: يا أبا الحسن: من يعترض عليك؟ قل ما شئت فأنت الكسائي؟!

فأخذ لسانه وقال: قطعه الله إذن إذا قلت ما لا أعلم ([22]) ".

والأصمعي لم يحتج بشعر ذي الرِّمَّة لكثرة ملازمته الحاضرة ففسد كلامه ([23]).

2 ـ نرجح أن بعض الشعر الجاهلي كان مدوَّناً، ولاسيما المعلَّقات، ذلك أنه كان يوجد في العرب من يجيد الكتابة والقراءة، ولكنهم ليسوا جميعهم أميين. أمَّا وصف العرب بالأمية في قوله تعالى: "وقل للذين أوتوا الكتاب والأُميين أأسلمتم؟ " ([24])،وقوله تعالى: "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأُمِّيين سبيل" ([25])، وقوله تعالى أيضاً: "هو الذي بعث في الأُميِّين رسولاً" ([26])، فليس المقصود الأُمية الكتابية ولا العلمية، ,إنما يعني الأميَّة الدينيّة، أي أنهم لم يكن لهم قبل القرآن كتاب ديني، والدليل على ذلك قوله تعالى: "ومنهم أُمِّيُّون لا يعلمون الكتاب إلاَّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير