تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غير أن رجال الدين وعلماء الجغرافية لم يختلفوا في وقوع الطوفان، ولا في مكانه الذي استوت عليه سفينة نوح (، وإن كان هناك خلاف في تسمية هذا المكان، فقد قيل: هو جبل بالجزيرة قرب الموصل، وقيل: إنه بآمِد ـ ديار بكر ـ وقيل: هو جبل يقع في جنوب أرمينية، وقيل: هو جبل مطلّ على جزيرة ابن عُمر، في الجانب الشرقي من نهر دجلة (2). فجميع هذه المسميات هي لمكان واحد تعاورته أسماء جمّة، فآمِد في الجزيرة جنوب أرمينية وقرب الموصل، وجزيرة ابن عمر قرب الموصل جنوب أرمينية، يطل عليها جبل آرارات.

وقد أيدت الكتب المقدسة وعلماء الجغرافية قصة الطوفان ووقوعه، كما حدد بعضهم مكان رسو السفينة، فالطوفان حادثة كونية كبرى شملت أنحاء المعمورة في رأي المفسرين وعند أهل الكتاب، ويؤيد هذا الرأيَ ما عثر عليه الجيولوجيون من المستحاثات والأحافيز، فقد عثروا على أصداف وأسماك متحجرة في أعالي الجبال، وهي لا تكون عادةً إلا في البحار.

والذي انعقد عليه الرأي: أن الطوفان كان شاملاً لقوم نوح الذين لم يكن في الأرض غيرهم يومذاك. فقد كانوا مُقيمين في منطقة الشرق الأوسط، أما في سائر أجزاء الكرة الأرضية، فليس ثمة نص قاطع ـ لا في القرآن الكريم، ولا في سواه ـ يشير إلى تغطية الأرض جميعها بالمياه.

يقول عبد الوهاب النجار: (ليس في هذه المسألة نص قاطع في القرآن، والذي أميل إليه أن يكون الطوفان خاصة، وأن النوع الإنساني لم يكن منتشراً في جميع أنحاء الكرة الأرضية) (3).

ذكر الطوفان في القرآن الكريم بلفظه صراحة مرة واحدة وذلك في قوله تعالى: (ولقد أرسلْنا نوحاً إلى قومه فلبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إلاَّ خمسين عاماً، فأخذهم الطوفانُ وهم ظالمون (العنكبوت /14. وأشير إليه بغير لفظة في سورة القمر بقوله تعالى:

(ففَتْحنا أبوابَ السماءِ بماءٍ منهمرٍ، وفجّرنا الأرضَ عيوناً، فالتقى الماءً على أمر قد قُدِر (القمر /11 ت 12. أما "قصة الطوفان" فقد جاءت موسعة في سورة هود وذلك في قوله تعالى، بعد الكلام على نوحٍ وصُنعه للسفينة: (حتى إذا فارَ التنُّور قلنا احمِلْ فيها من كلّ زوجِيْنِ اثنَيْنِ وأَهْلَكَ، إلاَّ مَن سَبقَ عليه القولُ ومَن آمَنَ، وما آمنَ معه إلاَّ قليل، وقال اركبوا فيها باسم الله مَجراها ومُرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيم* هي تَجري بهم في موجٍ كالجبال، ونادى نوحٌ ابنَه، وكان في مَعزِلٍ يا بنيَّ اركبْ معَنا ولا تكن من الكافرين* قال سآوي إلى جبلٍ يَعصمني من الماء، قال لا عاصمَ اليومَ من أمرِ اللهِ إلاَّ مَن رَحِمَ. وحالَ بينهما الموجُ فكان من المُغرَقين* وقيل يا أرضُ ابلَعي ماءكِ ويا سماءُ اقلِعي. وغِيضَ الماءُ وقُضي الأمرُ واستَوتْ على الجُودِيّ، وقيلَ بُعداً للقوم الظالمين (هود / الآيات 40 ـ 44.

فهذه الآيات تفصّل القول في قصة "الطوفان" دون أن تسميه، كما تشير الآيات الأخيرة إلى أن السفينة استقرّت على "الجودي" .. هكذا أطلق القرآن الكريم اسم "الجودي" على هذا الجبل التي استوت عليه سفينة نوح ... وفي اسم هذا الجبل أقوال تختلف لفظاً باختلاف الأمم التي تعاقبت عليه، وأطلقت كل أمة عليه اسماً وفق لغتها، لكن جميع هذه الأسماء حدّدت له مكاناً مخصوصاً معلوماًن نذكر منها ما جاء في الكتاب المقدس: (وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض، وأَجاءَ اللهُ ريحاً على الأرض، فهدأت المياه وانسدّت ينابيع الغّمْر، ورجعت المياه عن الأرض واستقرّ الفُلك على أراراط (التكوين /7 ـ 8.

وآراراط هذا لفظ عِبريّ مأخوذ من أصل أكادي (أورارطو) أُطلق على منطقة جبلية في آسية، وهي أعلى مكان في هضبة أرمينية، وعلى أحد هذه الجبال استقرّ فُلك نوح، وقمة هذا الجبل يطلق عليها "أرارات"، واسمها في التركية "اغري داغ" (4)، ويقول ابن الأثير: ( ... انتهت السفينة إلى الجودي، وهو جبل بناحية "قردي" (5) قرب الموصل) (6)، فالجودي جبل في "أرارات" يقع شمال العراق، ولفظ "أرارات" في النصوص الآشورية جاء بصيغة "أورارتو"، ولفظ الجودي في اللغة البابلية والكلدانية من "جدا ـ جوديا" أي علا وشب وارتفع. قال ياقوت الحموي: " ... واستقرّت السفينة على الجودي ... فلما جفّت الأرض خرج نوح ومن معه من السفينة وبنى مسجداً ومذبحاً لله تعالى وقرّب قرباناً، هذا لفظ تعريب التوراة حرفاً حرفاً، ومسجد نوح (موجود إلى الآن،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير