تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا هو كلام الشاطبي، أما ابن عاشور فلا يرى رأيه، بل يرى أن المفسر لا يلام إذا أتى بشيء من تفاريع العلوم، مما له خدمة للمقاصد القرآنية، على وجه التوفيق بين المعنى القرآني والمسائل الصحيحة من العلم، بشرط أن يسلك في ذلك مسلك الإيجاز وعدم الاستطراد. كما يرى ابن عاشور أن كلام الشاطبي: "مبني على ما أسسه من كون القرآن لما كان خطابًا للأميين، وهم العرب، فإنما يُعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم، وأن الشريعة أمية، وهو أساس واهٍ ( ... )، لأن القرآن لا تنقضي عجائبه، يعنون: معانيه ( ... )، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه" (تفسير ابن عاشور 1/ 42 - 45). وبهذا ميز ابن عاشور بين الشريعة و بين الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب وقت نزول القرآن، فقبل أمية الأميين ورفض أمية الشريعة. كما ذهب إلى أن أمية العرب في ذلك الوقت لا تعني أنهم مستمرون على أميتهم في كل وقت.

يرى أنصار التفسير العلمي أن له مزايا، منها:

- تجنب تقييد الحريات الفكرية والعلمية، واتقاء الحجر على العقول؛

- حث المسلمين على حب الاستطلاع والتأمل والبحث والنظر والاجتهاد وعلو الهمة والتفوق العلمي، ومتابعة العلوم والأفكار والمعارف، ومحاولة ضبطها وربطها بالقرآن، واسترشاد المسلمين به في بحوثهم. وبهذا يصبحون أكثر تحفزًا وتشوقًا إلى طلب العلم والتفوق فيه ومزاحمة علماء الأمم الأخرى المتقدمة؛

- تلافي الفكر الخامد، والفهم الجامد، والنظر الضيق الذي يقف بمعاني القرآن عند معهود أمة لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، عند معهود العرب الأميين القدامى، ومخاطبة الناس في كل عصر على قدر عقولهم وعلومهم، ومواكبة التطور العلمي والفكري، وتقدم أدوات الرصد والملاحظة والتجربة والتحليل. قال القرافي: "الجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين" (الفروق 1/ 177)، حتى لقد كثر الحفاظ، وقلّ المفكرون، ونضبت القرائح (تفسير طنطاوي جوهري 2/ 203)؛

- دعم حركة التفسير وعلومه، والتعرف على وجوه جديدة للإعجاز، فالقرآن متجدد الإعجاز، لا تنقضي عجائبه، ولا ينضب معينه، ولا يبلى على كثرة الرد (الترداد)؛

- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، فإنهم يفهمون الإعجاز العلمي أكثر مما يفهمون الإعجاز اللغوي، والقرآن نزل على العرب الأميين، ولكنه ليس لهم وحدهم، بل هو للناس جميعًا (مناهل العرفان 2/ 100): لكل الطبقات ولكل الأمم ولكل الأجيال، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. هذا إلى أن كثيرًا من العرب أنفسهم، وربما من علمائهم، ولاسيما في العصور المتأخرة، لم يعودوا يدركون الإعجاز اللغوي، ولا يعرفون من علوم اللغة وآدابها ما يمكنهم من الوقوف جديًا على هذا الإعجاز. كما أن من الجدير بالذكر هنا أن المسلمين غير العرب هم أكثر عددًا بكثير من المسلمين العرب.

- الرد على شبهة القائلين بأن هناك عداوة أو تناقضًا بين الدين والعلم. وإذا كان من الضروري إثبات عدم التناقض بين الدين والعلم، فهذا يقتضي عدم الوقوف عند هذا الحد، ويستتبع أن يكون هناك تفسير علمي مستمر لإثبات عدم التناقض، بل لإثبات الإعجاز. فلا تعارض بين كتاب الله المقروء وكتاب الله المفتوح، لأن مصدرهما واحد، هو منزل القرآن وخالق الكون، هو الحق تبارك وتعالى، والحق لا يتناقض. وإن العقل الصريح لا بد وأن ينسجم مع الدين الصحيح. ذلك أن الدين جاء بما يعجز عقلُ الفرد والمجموع عن دَرْكه، ولم يأت أبدًا بما يناقضه. فالعقل يوصل إلى الدين، والدين يقوي العقل، والعقل والدين نعمتان من نعم الله، لا يجوز لأحد تعطيلهما، أو العمل بما ينافيهما. ثم إن التفقه في الدين (النقل) لا بد أن يكون مقصوده تقويم العقل وتسديده، لا إلغاءه وتعطيله. وإن الإسلام بما فيه من كمال وجمال ما فتئ يشد الناس إليه، إما تثبيتًا لهم عليه، أو تحويلاً لهم من غيره إليه. وما أكثر ما توافر العلماء على دراسة أصوله في القرآن والسنة، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، فكان ذلك سببًا في اكتشاف المزيد من وجوه إعجازه، في ميادين البلاغة والنظم والعقائد والأخلاق والتشريع. ولا تزال هناك دائمًا وجوه جديدة تكتشف مع الأيام، ومع تطور العلوم والمعارف، تشعر الناس بأن هذا الدين هو الدين الحق الذي] لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير