فلما رأيت الكتب المدرسة غير مفيدة، حاشا النحو فإني درست عندهم ” الآجرومية ” و ” قطر الندي ”، ثم طلبت من القاضي (قاسم بن يحيي شويل) أن يدرسني في ” بلوغ المرام ” وبدأنا فيه، وأنكر علينا ذلك ثم تركنا، فلما رأيت أن الكتب المقررة شيعية معتزلية قررت الإقبال علي النحو فدرست ” قطر الندي ” مراراً علي (إسماعيل حطبة) رحمه الله في المسجد الذي أسكن ويصلي فيه وكان يهتم بنا غاية الاهتمام، وفي ذات مرة أتي إلي المسجد (محمد بن حورية) فنصحته أن يترك التنجيم فنصحهم أن يطردوني من الدراسة، فشفعوا لي عنده وسكت، وكان يمر بنا بعض الشيعة ونحن ندرس في ” القطر ” ويقول: (قبيلي صبن غرارة) بمعني أن التعليم لا يؤثر في وأنا أسكت وأستفيد في النحو.
حتى قامت الثورة وتركنا البلاد ونزلنا إلي نجرالن ولازمت (أبا الحسين مجد الدين المؤيد) واستفدت منه خصوصاً ف اللغة العربية، ومكثت بنجران قدر سنتين، فلما تأكدت أن الحرب بين الجمهورية والملكية لأجل الدنيا عزمت علي الرحلة إلي أرض الحرمين ونجد، وسكنت بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرأن التابعة للشيخ (محمد بن سنان الحدائي) حفظه الله، ولقد كان مكرماً لي لما رأي من استفادتي وينصحني بالاستمرار مدة حتى يرسلني إلي (الجامعة الإسلامية)، فتغير علي الجو بالريض، وعزمت علي السفر إلي مكة فكنت أشتغل إن وجدت شغلاً، وأطلب العلم في الليل أحضر دروس الشيخ (يحيي بن عثمان الباكستاني) في ” تفسير أبن كثير ”، والبخاري، ومسلم.
وأطالع في الكتب والتقيت بشيخين فاضلين من علماء اليمن:
أحدهما: القاضي (يحيي الأشول) صاحب معمرة، فكنت أدرس عنده في ” سبل السلام ” للصنعاني ويدرسني في أي شيء أطلب منه.
الثاني: الشيخ (عبد الرازق الشاحذي المحويتي) وكان أيضاً يدرسني فيما أطلب منه.
ثم فتح معهد الحرم المكي وتقدمت للاختبار مع مجموعة من طلبة العلم، فنجحت والحمد لله.
وكان من أبرز مشايخنا فيه الشيخ (عبد العزيز السبيل)، ودرست مع مجموعة من طلبة المعهد عند الشيخ (عبد الله بن محمد بن حميد) رحمه الله في ” التحفة السينة ” بعد العشاء في الحرم، فكان رحمة الله يأتي بفوائد مفيدة من ” شرح ابن عقيل ” وغيره، وكانت فوق مستوى زملائي فتملص زملائي، فترك رحمه الله الدرس.
ودرست مع مجموعة من الطلاب عند الشيخ (محمد السبيل) حفظه الله شيئاً من الفرائض.
وبعد الاستقرار في المعهد خرجت للإتيان بأهلي من نجران فأتيت بهم وسكنا بمكة مدة الدراسة في المعهد ست سنين، والدراسة في الحرم نفسه ز
وبركة دراسة المساجد معلومة، ولا تسأل عن أنس وراحة كنا فيها، وصدق الرسول eإذ يقول: ” وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدار سونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده ”
النهار في دراسة المعهد، والدروس كلها تخدم العقيدة والدين، ومن بعد العصر إلي بعد العشاء في الحرم نشرب من ماء زمزم الذي قال النبي e فيه: ” إنه طعام طعم وشفاء سقم ”. ونسمع من الواعظين القادمين من الآفاق لأداء حج أو عمرة.
ومن المدرسين في الحرم بين مغرب وعشاء الشيخ (عبد العزيز بن راشد النجدي) صاحب ” تيسير الوحيين في الاقتصار علي القرآن والصحيحين ” وله فيه أخطاء لا نوافقه عليها، وكان رحمة الله يقول: الصحيح في غير الصحيحين يعد علي الأصابع، فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت علي تأليف ” الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ” فازددت يقيناً ببطلان كلامه رحمه الله.
وكان رحمه الله رجل التوحيد، وله معرفة قوية بعلم الحديث، ومعرفة صحيحة من سقيمه، ومعلومه من سليمة، ويعجبني فيه أنه ينفر عن التقليد حتي إنه ألف رسالة بعنوان ” الطواغيت المقنعة ”، فظن بعض العلماء لمناقشة فقالوا: أنت عنيتنا بهذا وعنيت الحكومة؟ فقال: إن كنتم ترون أنكم ترون أنكم متصفون بالصفات التي ذكرت في الكتاب فهو يشملكم، وإن كنتم ترون أنكم لستم متصفين بالصفات التي ذكرت في الكتاب فهو لا يشملكم. ثم منع الكتاب من الدخول إلي المملكة، أفادني بذلك.
¥