وفي ذات ليلة طلب منه أن يلقي درساً وكأنه لا ختباره، فبدأ درسه بقوله تعالي:) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون (وسرد من الآيات التي تدل علي تحريم التقليد، وبعض أفاضل العلماء عند الكرسي، وبعد ذلك منع من التدريس في الحرم، والله المستعان.
ومن مشايخي في الحرم المكي الذين استفدت منهم الشيخ (محمد بن عبد الله الصومالي) فقد حضرت عنه نحو سبعة أشهر أو أكثر، وكان رحمه الله آية في معرفة رجال الشيخين، ومنه استفدت كثيراً في علم الحديث، علي أني بحمد ربي من ابتدائي في الطلب لا أحب إلا علم الكتاب والسنة.
وبعد الانتهاء من معهد الحرم من المتوسط والثانوية، وكل الدروس دينية، انتقلنا إلي المدينة إلي الجامعة الإسلامية، فحول أكثرنا إلي كلية الدعوة وأصول الدين، وأبرز من درسنا فيها الشيخ (السيد محمد الحكيم) والشيخ (محمود عبد الوهاب فائد) المصريان.
وعند أن جاءت العطلة خشيت من ذهاب الوقت وضياعه فانتسبت في كلية الشريعة، لأمرين: أحدهما: التزود من العلم. الثاني: أن الدروس متقاربة وبعضها متحدة، فهي تعتبر مراجعة لما درسناه في كلية الدعوة. وانتهيت بحمد الله من الكليتين، وأعطيت شهادتين، وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادات، المعتبرة عندي هو العلم.
وفي عام انتهائنا من الكليتين فتحت في الجامعة دراسة عالية ما يسمونه بالماجستير، فتقدمت لاختبار المقابلة ونجحت بحمد الله وهي تخصص في علم الحديث، وبحمد الله حصلت الفائدة التي أحبها، وكان أبرز من درسنا الشيخ (محمد الأمين المصري) رحمة الله، والشيخ (السيد محمد الحكيم المصري) وفي آخرها الشيخ (حماد بن محمد الأنصاري) وكنت أحضر بعض الليالي درس الشيخ (عبد العزيز بن باز) في الحرم المدني في ” صحيح مسلم ”، وأحضر كذلك مع الشيخ (الألباني) في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
ومنذ كنت في الحرم المكي وأنا أدرس بعض طلبة العلم في ” قطر الندي ” وفي ” التحفة السنية ”، وعند أن كنت بالمدينة كنت بالمدينة كنت أدرس بعض إخزاني في الحرم المدني في ” التحفة السنية ” ثم وعدت إخواني في الله بدروس في بيتي بعد العصر في “جامع الترمذي ”، و ” قطر الندي ”، و ” الباعث الحثيث ” وانتشرت دعوة كبيرة من المدينة ملأت الدنيا في مدة ست سنوات، بعض أهل الخير هم الذين يسعون في تمويلها، و (مقبل بن هادي) وبعض إخوانه في الله هم الذين يقومون بتعليم إخوانهم، وأما الرحلات للدعوة إلي الله في جميع أنحاء المملكة فمشتركة بين الإخوان كلهم، طالب العلم للتزود من العلم ولإفادة الآخرين، والعامي للتعلم، حتى استفاد كثير من العامة وأحبوا الدعوة.
وكان بعض إخواننا في الله طلبة العلم إمام مسجد في الرياض فأنكر عليه بعض أهل العلم السترة، فقال: عجزنا فيكم فو الله لا يقوم إلا عامي يعلمكم أحاديث السترة. فدعا أخاً من محبي الدعوة من العامة وحفظه أحاديث السترة من ” الؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ”، وقام وألقي تلكم الحاديث،وبعدها خجل المعارضون وسكتوا.
وبعد هذا تحرك المقلدة وعلماء السوء، وكان السبب في تحرك المقلدة الذين هم في نظر الناس علماء أنهم إذا التقوا بطالب علم صغير من طلابنا واستدلوا بحديث قال لهم: من أخرجه؟ وهذا شيء ما ألفوه، ثم يقول لهم: ما حال الحديث؟ وهذا أيضاً ما ألفوه، فخجلوهم أمام العامة، وربما قال لهم الطالب: هذا حديث ضعيف في سنده فلان، وضعفه فلان، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأشاعوا أن هؤلاء خوارج، وحاشا الأخوة من الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين ويكفرون بالمعصية.
وكانت تحدث السقطات من بعض الأخوة المبتدئين؛ لأن الغالب علي المبتدئ الحماسة الزائدة – وكنت آنذاك أحضر رسالة الماجستير – فما شعرنا ذات ليلة إلا بالقبض علينا، فقبضوا علي نحو مائة وخمسين وهرب من هرب، وأرتجت الدنيا بين منكر ومؤيد، فبقينا في السجن نحو شهر أو شهر ونصف وبعدها خرجنا الله أبرياء.
¥