سبيل هذا الإكثار .. منهج لا يطلب وقف التقدم العلمي باسم (الدين)! ولا يجعل التدين وسيلة واحدة هي عودة العلم والمعرفة القهقري! .. وفي النهاية منهج تتطور (العبادة) فيه حتى يصبح (العمل) إحدى صورها ..
فأنى يجدون هذا المنهج في بقايا التصور المهلهل؛ وفي أنقاض التاريخ المرير، وفي الفجوة التي لا تعبر، والتي لا يقام عليها معبر، بين طبيعة الدين الذي عندهم-كما صاغته هذه الملابسات كلها- وبين طبيعة الحياة الإنسانية بصفة عامة، وطبيعة هذه الحضارة المادية بصفة خاصة؟!
إن الذي يملك استحداث هذا المنهج قوم آخرون .. والدين الذي يتضمن مثل هذا المنهج في اكمل صورة ليس هو ما يسمى عند قومه اليوم بالدين!
إن مستر دالاس يريد أن يجند (الدين) لحماية الأنظمة الغربية من الشيوعية .. ولكن الدين لا يملك أن يصنع شيئاً في هذه المعركة الصغيرة! بين أنظمة مادية وأنظمة مادية من نوع آخر! انه لا يملك أن يصنع شيئاً في صورته الباهتة التي تراد له .. لا يملك أن يدافع عن الناس وهو مطرود من حياتهم طرداً قبيحاً!
إن (دين الله) لا يصلح خادماً يلبس منطقة الخدم، ويقف بحضرة (أسياده)، ويوجهونه حيث يريدون! يطردونه من حضرتهم فينصرف، وهو يقبل الأرض بين أيديهم .. ثم يقف وراء الباب-في شارة الخدم- رهن الإشارة! .. ويستدعونه للخدمة، فيقبل الأرض بين أيديهم، وينحني قائلاً: لبيك يا مولاي! كما يفعل من يسمونهم (رجال الدين)!
كلا! إن (دين الله) لا يرضى إلا أن يكون سيداً مهيمناً. قوياً متصرفاً. عزيزاً كريماً. حاكماً لا محكوماً. قائداً لا مقوداً 00 وهو لا يحمي الناس من الشيوعية ولا من غير الشيوعية إلا أن تكون حياتهم كلها رهن إشارته. يصرفها بجملتها، وينظمها من أطرافها، وينسقها وفق شريعته 00 حين يتحاكم إليه الناس في أمورهم كلها: صغيرها وكبيرها. ثم يرتضون حكمه في ثقة وفي استسلام:
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً 00 "
[النساء: 65]
ويومئذ فقط يؤدي دوره كاملاً 00 دور السيد المدبر 00 لا دور الخادم الملبي00
ويومئذ فقط ينتهي ذلك الفصام النكد. الذي أنشأ كل هذا الشقاء المرير. وكل هذا الخطر الخطير00
ويومئذ فقط يجئ المخلص، الذي تتعالى الصيحات بصفاته وسماته! هذا المخلص المرتقب للناس أجمعين 00 هو هذا الدين 00
====
([16]) ترجمة شفيق أسعد فريد، نشر مكتبة المعارف بيروت.
..........
المصدر: فصل من كتاب (المستقبل لهذا الدين) لسيد قطب