تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان من رأي شفيق باشا أن لا تنشر المذكرات الخاصة إلا بعد الوفاة، غير أنه رأى أن تنشر في حياته حتى إذا ثمة مجال لفحصها أو نقدها كما لو انه رأى من الشجاعة الأدبية أنه ينشر مذكراته فيتحمل وهو على قيد الحياة كل تبعه فيما يسجل من الحوادث والأشخاص.

غير أن شفيق باشا يتحفظ في تقديم هذه المذكرات ومكانها من دراسة التاريخ فيتساءل عما إذا كانت هذه المذكرات مادة كافية لصنع تاريخ مصر الحديث، فإن هذه المادة تتكون من نواح كثيرة أخرى ومن وثائق رسمية شتى ومذكرات لرجال قاموا بأدوار خطيرة.

وجملة القول أن مذكرات شفيق باشا مذكرات خبرية لم تأخذ طابع التحليل ولا الترابط بين الأجزاء البعيدة ويمكن أن توصف باليوميات السياسية.

2 - أما الدكتور هيكل (مذكرات في السياسة المصرية) والجزء الأول منها الذي يسجل الفترة من (1912 – 1937) على وجه الخصوص فإنها عمل أكثر فنية وتماسكا من مذكرات شفيق باشا وإن لم يكن هيكل قد كتب مذكرات يومية، فقد استملاها من الذاكرة وراجع في إبان كتابتها صحيفة "السياسة" حيث أمضى فترة تزيد عن خمسة عشر عاما وهو يصدرها ويرأس تحريرها (1922 – 1937) وهي تتناول حياة مصر السياسية أكثر مما تتناول غير هذا الجانب من حياتها، وقد حاول هيكل أن يقف موقف المؤرخ، غير متعصب لرأي بذاته محللا المواقف المختلفة مبينا وجهة النظر الخاصة لكل فريق معتقدا بأن الرأي قد ينطوي على جانب من الصحة وجانب من الخطأ.

وعنده أن من أسباب اقتداره على أن يقف موقف المؤرخ، وان يصور الحوادث كأدق ما يستطيع، أنه كتب هذه المذكرات بعد انقضاء سنوات طويلة من وقوع الحوادث التي دونت فيها، فقد بدأ كتابتها عام 1948 حين كان أول فصل فيها يتحدث عما وقع سنة 1912 أي بعد انقضاء ست وثلاثين سنة أو تزيد على وقوعه، وقد فرغ منها عام 1950 وكان آخر ما تناوله ما وقع سنة 1937، ولا شك أنه إذ تفصل السنون بين الكاتب وبين الحوادث بهذا المقدار تتيح له فرصة وضوح الرؤية، مما يحقق له النظر إليها على نحو تختلف عما أحاط بها إبان حدوثها، فهي في إبان حدوثها كانت تثير من العواطف والتأثر بالمنفعة العاجلة ما يجعل حكم العقل عليها ضئيلا، وهذا هو الفارق الهام بين مذكرات هيكل وبين مذكرات شفيق باشا التي كان يكتبها في ضوء الحوادث وتحت تأثيرها.

ويرى أن هيكل ربما كان لابتعاد الأحداث عن مرحلة الكتابة أثره في إلقاء ظلال مختلفة، ولكن الزمن الذي يكون قد مر بين الأحداث وبين تسجيلها وما كسبه الكاتب خلاله من تجارب وخبرة، سيكون بعيد الأثر في تقويمها، وإعطاء العقل القدرة على تحليل الحوادث ووزنها، مما يجعل الكاتب مسجلا وفي نفس الوقت قاضيا عادلا.

ويعترف هيكل بأن وجود طائفة من الأشخاص الذين لعبوا دورا في هذه الحوادث على قيد الحياة، ومدى الروابط مع هؤلاء الأشخاص له أثر بعيد لا سبيل إلى زواله في كتابة المذكرات، وإن كان قد أكد أنه لم يجاب هؤلاء الأشخاص، إلا على نحو واحد هو إغفال بعض الحوادث التي رأى من الواجب إغفالها، أما ما دونه ولم يغفله فهو صحيح في عمومه كما اعترف بأنه ليس راضيا عن إغفال ما أغفل ومن هذا تحايل جهد ما أتاه فن الكاتب، فذكر الآثار التي ترتبت على هذه الحوادث المغفلة، وهنا يثار جانب ما يعلن وما يخفي من الوقائع في المذكرات.

وهي نفس المشكلة التي واجهها شفيق باشا واعتقد أنه لا سبيل إلى تجاهل هذه الحقيقة في مذكرات ينشرها الأحياء أو يكتبوها وهم على علم بأنها ستذاع، وقد حاول هيكل في مذكراته أن يتخذ طريقة أقرب إلى العلم والتاريخ والتجرد:

(1) لم يتناول إلا ما شاهده أو شارك فيه بنصيب من جوانب السياسة المصرية.

(2) لم يتناول عدا الجانب السياسي في حياة مصر إلا لماما، لأنه الجانب الذي استأثر بنشاطه وفكره في هذه الحقبة.

وعنده أن هذه المذكرات تكون عونا للباحث الذي يريد أن يتصور تلك الحقبة من تاريخ مصر، أما فيما يتصل بدقة الوقائع فإن هيكل يرى أنها دارت حول ما كان يكتب طيلة خمسة عشر عاما خلال تحريره السياسة: وان هذا حول الاتصال المتصل بموضوع بذاته ينقش في الأذهان ما يكتب فلا ينسى أبدا.

ويرى أنه من الضروري على كل من شارك =في العمل العام في أي فترة أن يكتب عنها ما يكون من بعد مادة للمؤرخ تعينه على رسم الصورة الصحيحة لهذا الطور من أطوار حياة الوطن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير