تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا شك أن هيكل كان هيكل يحاول أن يدافع عن وجهة نظره ونظر حزبه من الأحداث، وإن كانت تكشف عن أن هيكل كان له طابعه الفكري الخاص، بالرغم من اتصاله بحزب الأحرار الدستوريين، وله آراؤه المتحررة ومواقفه التي ربما تعارضت مع الحزب، وهو لذلك يتحرز من أن يوصف هذه المذكرات بأنها دفاع عن السياسة التي ناصرها، ولأنه كان في أكثر أطوارها في غير الجانب الذي عليه الجمهور.

3 - أما مذكرات "محمد كرد علي" فهي على نحو يختلف عن طريقتي شفيق وهيكل، فلا هي يوميات ولا هي عرض تحليلي، وإنما هي جزيئيات أشبه بالخواطر والمقالات والزوايا المختلفة المتصلة بحادث من الأحداث أو فرد من الأفراد، أشبه بالوقائع والملاحظات عرض فيها رأيه وموقفه، وحاول تصوير مجتمعه، فلا هي تسجيل للتطور السياسي على نحو تاريخي كما فعل شفيق وهيكل، ولا هي عرض قصصي لحياته أو للحياة السياسية أو الاجتماعية في دمشق، وإنما هي قطاعات منفصلة أقرب إلى الخواطر التي تكتب في أوقات متفرقة، وقد عرض في عدد منها مطالع حياته، ثم جعلها متصلة بالأحداث والأشخاص والأخطاء المتعددة التي صادفته خلال حياته الطويلة منذ مطالع القرن وعن رحلاته وهجرته إلى مصر وعمله الصحفي وجريدته المقتبس، ومواقف حكام سوريا وقد ضمنت الحديث عن عشرات ممن عرفهم في مصر وسوريا ولبنان وتركيا، ومن التقى بهم وتحدث معهم، وقد اتسمت بالهجوم على عديد من السياسيين السوريين والأتراك، وقد تناولت الصراع بين العرب والترك في عهد الاتحاديين، كما تناولت صلاته بعلماء أوروبا وبأحداث العالم العربي، وهو يرى أن دافعه في كتابتها أن ينتزع قيودا أثقلته، وأن يشق طريقا جديدا من طراز غير مقيد، سمته أسلوب مطلق، متابعا طريقة من سبقوه من الغربيين في تدوين هذه الارتسامات.

يقول: أحاول اليوم، وقد رأيت الدنيا مهزلة، وذقت حلوها ومرها وكرعت خلها وخمرها، أن أهزل أحيانا واسخر أحيانا وأضحك أحيانا وأبكي أحيانا، لأن نفسي سئمت التزام الجد وتبرمت من الاضطراب زمنا طويلا.

وتقع مذكرات كرد علي في ثلاث أجزاء تضم 996 صفحة وحوالي 400 خارطة صدرت عام 1948، ومعنى هذا أنها تضم خواطر 50عاما.

وهي في تقدير الباحثين تصور مشاعره وعواطفه غير متجردة تجاه الأحداث والأفراد، وقد أحدث نشرها دويا في سوريا ومصر نظرا لجرأة ما تناولته من الرأي في بعض الأحيان، وهي انطلاقة رجل ظل مقيدا في آثار الأبحاث العلمية حتى بلغ سنا عالية فقد ولد سنة 1876 أي أنه كان عند إصدارها ونشرها في سن السبعين بعد أن انفضت المواكب ولم يعد في حاجة إلى تملق أحد، وقد اختار أسلوب السخرية كما أشار في المقدمة، في كشف ستر هؤلاء الذين اتصل بهم، وقد لاحظ الباحثون بعض التناقض في الأخبار التي أوردتها المذكرات على نحو يجعل هذه المذكرات في حاجة إلى حذر شديد للانتفاع بها تاريخيا، وقد أشار إلى ذلك شفيق جبري حين قال: "أن كرد علي لم يدون كل حق عرفه الناس وإنما دون كل حق اعتقد هو نفسه أنه حق وخالفه أكثر الناس فيه، دون حقا صادف هوى في نفسه وكان باطلا في نفوس الناس."

ويمكن القول بأن مذكرات كرد علي لم تكن مضطردة اضطرادا تاريخيا في خواطرها الربعمائة، وإنما كانت متناثرة عليها طابع العاطفة والإحساس الذاتي في الإعجاب أو البعض، وقد عبر عن هذا بما سماه "هتك الستر" حين قال: "ولعلي تعمدت أحيانا هتك سترتهم لأنهم يهتكون بأعمالهم ستر هذه الأمة ولا يبالون."

ويمكن أن تتميز مذكرات كرد علي بجوانب واضحة:

• جانب العمل السياسي والاتصال بالاتحاديين وجمال باشا السفاح وغيرهم، وهذا أقرب إلى التاريخ منه إلى المذكرات.

• كثرة المقارنة بين مصر والشام، حيث اتصل بهما في أوائل القرن وأصدر صحفا بهما وعاش فترة طويلة بالقاهرة فهو يقارن بينهما في الصحافة وفي النكتة ويعرض أخبار الرجال الذين عرفهم في مصر.

• خصوبة وتعدد الجوانب والمعارف والاتصالات والأعمال، مما يعطي صورة حياة مليئة بالحيوية والعمل.

وأشار كرد علي أن ما أورده في هذه المذكرات هو نص ما كتبه بالصورة التي كتبه بها لأول مرة، وانه لم يدخل عليها شيئا من التعديل، وانه بدأ إعدادها عام 1939 وانتهى عام 1948.

4 - أما النوع الثاني من المذكرات فيضم تاريخ حياة الكاتب وبعض الوقائع على نحو استطرادي لا يرقى إلى ترجمة الحياة في فنيتها وشمولها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير