فأمسك العصا من النصف حسبما ظنَّ ولم يجهد نفسه في تحقيق الموضوع هنا.
الثانية: أخطأت طبعة الرشد عندما أثبتت في المتن (أنس) ابن سيرين؛ لأن الصواب هنا أنه عن (ابن سيرين) فقط هكذا كما كتبه عوامة في طبعته.
الثالثة: أخطأت طبعة الرشد في تخطئة رواية (يونس عن الحسن) ووضعها في الحاشية وعدم إثباتها في المتن، وأفدح من هذا الخطأ ما فعله محمد عوامة عندما لم يذكر (يونس عن الحسن) في متنه أو حاشيته من قريب أو بعيد، فأسقط بهذا رواية من روايات ابن أبي شيبة.
الرابعة: أن ابن أبي شيبة قد روى هذا الخبر في نفس الباب قبل قليل من طريق آخر مختصرا من رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أنس.
ثم أعاده ابن أبي شيبة في نفس الباب من رواية ((يونس عن الحسن {و} عن ابن سيرين عن أنس)) وزاد في لفظه شيئا.
فأما رواية ابن سيرين عن أنس فقد سبق أن رواها ابن أبي شيبة في الباب نفسه وما أعاد ابن أبي شيبة الخبر مرة أخرى إلا لأجل رواية ((الحسن عن أنس بن مالك)).
فشرَّقت طبعة الرشد مع (أنس بن سيرين) وغرَّب محمد عوامة مع (ابن سيرين) فقط، وترك الجميع مقصود ابن أبي شيبة.
لكن على الأقل قد ذكره محققا الرشد في الحاشية وقالا بأنه خطأ، وهذا خطأ منهما.
أما محمد عوامة فعلى منهجه الذي اتبعه فإنه لم يذكر شيئا من هذا وأضحى على الذي يريد أن يقف على مقصود ابن أبي شيبة أن يشتري طبعة أخرى من الطبعات السابقة بجوار طبعة محمد عوامة الأخيرة حتى الآن.
وتلك إحدى ثمار المنهج الانتقائي القائم على مجرد خبرة المحقق التي قد يخالفها هو نفسه لو نظر مرة أخرى فيما صنعه.
وعلى الناس أن تدفع ضريبة اختيارات ومناهج عبثية، فتشتري بعض الطبعات لضبط المتن، وأخرى لتخريجه، والله أعلم بما سيكون بعدُ؟!
وبهذا ينبغي لمئات أو آلاف من الناس أن يعملوا بنظر واحدٍ فقط، هو وحده الذي يقرر لهم المؤثِّر وغير المؤثّر!
فهل هذا يمكن أن يكون منهجًا لشيءٍ سوى العبث والإرهاب الفكري القائم على أحادية الرأي والنظر؟!
الخامسة: أن الخبر السابق مشهور في الصحيحين وغيرهما من رواية ابن سيرين (وهو محمد) عن أنس بن مالك.
بل ورواه الطحاوي 4/ 10 من طريق آخر عن سفيان عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين عن أنس قال: ((نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أباه أو أخاه)).
أي كما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان بإسناده.
السادسة: وقد روى الحسن البصري هذا الخبر أيضا عن أنس بن مالك، كما عند أبي داود 3440، والنسائي في المجتبى 7/ 256 وفي الكبرى 6039، من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه أو أباه)).
وذكر فيه ((النبي صلى الله عليه وسلم)) بينما قال في رواية ابن أبي شيبة: ((نُهينا)).
قال ابن حجر في (فتح الباري) 4/ 436: ((قوله: (عن محمد) هو ابن سيرين. قوله: (نهينا أن يبيع حاضر لباد): زاد مسلم والنسائي من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أنس: (وإن كان أخاه أو أباه). ورواه أبو داود والنسائي من وجه آخر عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره. وعُرِفَ بهذه الرواية أن الناهي المبهم في الرواية الأولى هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقوي المذهب الصحيح أن لقول الصحابي: (نُهِينا عن كذا)؛ حكم الرفع، وأنه في قوة قوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم)) ا. هـ
ولأجل رواية يونس عن الحسن عن أنس بن مالك هذه: أعاد ابن أبي شيبة الخبر، وهي الرواية التي حكم عليها محققا الرشد بالخطأ، بينما حذفها محمد عوامة من طبعته فلم يضعها في متنه أو حاشيته ألبتة، فكأنها لم تكن.
ولهذا قلت بأن خطأ طبعة الرشد أخف من خطأ عوامة في هذا الموضع، لأنهما ذكرا ما يُستدل به على الصواب، بخلاف عوامة الذي جزم وسار غير ناظرٍ لشيءٍ!.
فوا أسفاه على التحقيق ومناهج التحقيق التي أودتْ بحياة المتون التراثية!!
السابعة: أن الأمر هنا يتضح لمن راجع مصادر الحديث ورأى الخبر بروايتيه، ثم رأى ما عند ابن أبي شيبة، فعندها سيعيد مراجعة النسخ الخطية لربما يجد واوا ساقطة بين الحسن وابن سيرين فإن لم يجدها احتمل وجودها ضرورة ليصبح الإسناد: (عن يونس عن الحسن [و] عن ابن سيرين عن أنس بن مالك) أو نحو هذا.
¥