تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد العودة من السعودية كانت البداية من مسجد السالك في الهاشمي الشمالي، في عمان، هو ورفيق دَرْبِه الشيخ أحمد السالك، في وقتٍ لم يكن يُعرَف للبدعة معنىً، ولا لمنهج السَّلف ذِكْرٌ - إلا النَّزْر اليسير -ولم تكن السنن إلا البدع، والبدع ما هي إلا السنن، حتى مَن كان يَمِيز هذه عن هذه كان يخشى أن يُصَرِّح بها، إذ مجُرَّد هَمْسِه بها كان يُضْحي عند الناس ((وهابِيَّاً)) وكفى بذلك تُهْمَةً بين الناس.

وأخذ العَدَاء يشتد من العامة، ومن رفقاء الدَّرب السابقين، ومن أقرب الأقرباء إليه، ولكنها كلمة كان يقولها لزوجه حين تأخذها عاطفة الخوف العاصِف عليه وعلى وَلَدِه: ((والله لو فَصَلوا رأسي عن جسدي ما تَوَقفت حتى يقضي الله أمره فيَّ، فإمَّا أن يَظهر المنهج وإمَّا أن أنتهي أنا)).

واستمر في مسيرة الدعوة في أرض الأردن المباركة، وكان من أوائل ما صَنَعَه أن قام بدعوة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وبقي مُقيماً في بيته ما يزيد عن الشهر، كان لهذا أثره في نشر الدعوة، وتوضيحها، وتتابعت من بعدها زيارات الشيخ الألباني للأردن، ليكون من بعده مُهاجَرَه، ومُسْتقرَّه، وأرض موته، لمِا رأى فيه من أمنٍ واستقرار، وهدائة نفسٍ رَضِيَها واطمأن إليها.

ووقف الشيخ محمد شقرة في مسيرة الدعوة مواقف كان لها الأثر العظيم في تكريس اسم المنهج بين الناس، العامة منهم والخاصة، مواقف لم يكن يجرؤ عليها من يدَّعي اليوم أنه على هذا المنهج، وما استطاع أن يقول أحدٌ فيها كلمةً إلا بعد أن قالها الشيخ شقرة مُنفَرداً وحده، فأظهر فيه للناس فكراً خفي عنهم، فَنِيلَ منه، وتعرَّض لما لا يعلمه إلا الله من قدحٍ وذمٍّ وتجريح، صَبَر له، وتَعلَّق في أذهان الناس أن تياراً يحمله " الشيخ " هو الذي جعله يقف مثل هذه المواقف، فشاع في الناس اسم ذلك المنهج وأصبحوا يتساءلون عنه وعن كُنهه الذي كان مُغيَّباً عن عقول وأسماع الكثيرين.

وكذلك ما أظهره من المنهج في وسائل الإعلام من فتاوى أظهر فيها أن الدليل هو الأساس، وخالف بها عادة الناس وأهواءهم، فكانت النتيجة نفسها التي سَبَقَت –ولله الحمد والمِنَّة- وغيرها الكثير الكثير من المواقف التي عودي من أجلها وتعرَّض للضغوط الشديدة القاسية التي صبر عليها حتى أصبح في الساحة تياراً يزداد وينمو ويكبر هو "التيار السلفي".

وكان عنوان " الشيخ " دوماً -ولا يزال- ما أسعفته الهِمَّة، يحمل في صدره ويُصَرِّح بلسانه: " اشفعوا تؤجروا " فما توانى يوماً عن بذل أقصى ما يستطيعه من شفاعة ونصرة لأخ أصابه كربٌ، أو حَلّت به مصيبة، أو احتاج لأي عونٍ في أي سبيل، حتى أصبح عند جميع من ينتمي إلى هذا المنهج -وغيرهم كذلك سواءً بسواءٍ- إنكم لن تجدوا لحاجاتكم مثل " الشيخ "، فإن الله قد ألقى له القبول عند الناس خاصَّتهم وعامَّتهم، فوالله ما أعرف -ولا يعرف غيري- أنه سار في حاجةٍ إلا وكان القبول لما يريد فيها.

ولعل أظهرها وأشهرها، ما كان من سعيه الذي لا يتوقف في نُصرة الشيخ الألباني -رحمه الله- والتي بَذَل فيها نُصرةً للمنهج وتكريماً للعلم والعلماء، ما نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناته، فقد كان الرِدءَ، والنصير، والظهير، والسَّنَد، والحامي للشيخ الألباني، والمُنافِح عنه أمام من كان يحمل الحسد عليه ممن يَظن أنه من أهل العلم، الذين ما فتِئوا يكيدون للشيخ الألباني، حتى إذا أضحى خارج البلاد؛ما كان من الشيخ شقرة إلا أن سعى بِرَجائه إلى أعلى الهيئات الرَّسميَّة في البلاد،فَحَظِيَ بالإرادة المَلَكِيَّة الآمِرَة بإعادة الشيخ الألباني مُعَزَّزاً مكَرَّماً في دار هِجرته وإقامَته ومَثواه، وكان بإمكان الشيخ شقرة أن يسأل لنفسه –وهو الذي تَعرَّض للأذى، والسِّعاية بالنميمة، والوشاية به، وإقصائه عن حقِّه في الوظيفة- أن يسأل لنفسه أو لولده شيئاً، ولكن جعلها خالصة للشيخ الألباني.

وما كانت تلك هي المرَّة الأخيرة، بل كانت نُصرةً للشيخ مراتٍ أُخر، حتى كانت كلمة الفصل؛ من ذوي القرار –بسعي الشيخ شقرة- أن الشيخ الألباني يجب أن يبقى، فكان الأردن مُستقرَّ الشيخ مُكْرَماً بها إلى أن جاءته المنيَّة -رحمه الله- فيها، ودُفن فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير