وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده،هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل، ثم نقل عن الإمام إسحاق بن راهويه قوله: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله.
(الصارم المسلول طبعة دار رمادي 2/ 955)
فسب الله أو سب رسوله كفر مخرج من الملة مطلقا كما بين العلماء بقطع النظر عن كونه جحدا أو غير جحد، فكيف يقتصر المؤلف في تعريف الكفر الأكبر على الجحد وقد رد كثير من أهل العلم من أهل السنة والجماعة في هذا العصر على من قصر الكفر على الجحود والتكذيب، ولم ير أن الكفر يكون بالاعتقاد وبالقول وبالعمل.
قالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله عن حصر الكفر بكفر التكذيب والاستحلال القلبي: لاشك أن هذا قول باطل وضلال مبين مخالف للكتاب والسنة، وماعليه أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا (التحذير من الإرجاء /9)
وأصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء فتاوى متعددة في الرد على أصحاب تلك الدعوى، وقد جمعت فتاواهم في كتاب باسم التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه، وممن كتب في هذا الشيخ محمد الدوسري في كتابه رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة الذي رد به على الشيخ علي حسن عبدالحميد، وقد قدم لكتب الدوسري وانتصر له المشايخ الفضلاء ابن جبرين، والفوزان، وعبدالعزيز الراجحي، وسعد آل حميد، وعبدالله السعد فأجادوا في مقدماتهم وأفادوا جزاهم الله خيرا، وجمع الشيخ علوي السقاف نصوص العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة في كتابه الذي قرظه الشيخ ابن باز رحمه الله، واسمه التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد. وللدكتور عبدالعزيز آل عبداللطيف كتاب مفيد في نواقض الإيمان القولية والعملية، وهي رسالة دكتوراه.
وقد ذكر العلماء أن قصر الكفر على الجحد هو قول المرجئة.
(انظر مجموع الفتاوى7/ 548، نواقض الإيمان الاعتقادية للوهيبي1/ 187، رفع اللائمة /50)
والحاصل أن تعريف المؤلف للكفر الأكبر بالجحد غير صحيح، ولاسيما أنه ليس ممن يقصر الكفر على الاعتقاد، بدليل أنه ذكر في ص 186 أن من أنواع الكفر الأكبر الكفر الفعلي، والكفر القولي، فقال:كفر فعلي، ومحله الجوارح، وذلك كمن ألقى المصحف في القاذورات ...... وكفر قولي، ومحله اللسان كمن سب الله أو الرسول أو الدين ونحو ذلك. وتحرفت إلى: ونحن ذلك.
فهذان النوعان من الكفر الأكبر اللذان ذكرهما هنا لا يصدق عليهما تعريفه للكفر الأكبر بأنه جحد ما لا يتم الإسلام بدونه؛إلا إن كان يرى أنه لايحكم على هذين النوعين بأنهما كفر أكبر إلا إذا صاحبهما اعتقاد كفري، ولا أظن المؤلف يرى هذا الرأي الذي هو مذهب المرجئة.
(انظر نواقض الإيمان الاعتقادية 1/ 285، رفع اللائمة ص52).
قال النووي رحمه الله في تعريف الردة: وهي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل ... قال الإمام: في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا.قال: وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه.
(روضة الطالبين 7/ 238)
وأما تعريف المؤلف للكفر الأصغر بأنه (جحد ما لايتم كمال الإسلام بدونه) فهو بهذا الإطلاق غير صحيح أيضا؛ لأن الأمور التي لايتم كمال الإسلام بدونها إذا نص عليها القرآن مثلا فجحدها أحد كان كافرا كفرا أكبر لأنه مكذب للقرآن.وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الجحود ضرب من الكذب والتكذيب بالحق المعلوم. (الفتاوى الكبرى 5/ 198).
وقال النووي رحمه الله: من جحد مجمعا عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة أو الزكاة أو الحج أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر (روضة الطالبين 1/ 667)
بل ذكر فقهاء الحنابلة أن من جحد حِل خبز ونحوه كلحم مذكاة بهيمة الأنعام والدجاج، ومثله لايجهله فإنه يكفر بذلك ويكون مرتدا.
(انظر منتهى الإرادات مع شرحه للبهوتي بتحقيق التركي 6/ 288)
¥