تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يحتج بها الشيخ منها، حتى خيل إِلىَّ أنه يحضر مادَّة خطبه من هذه " السلسلة "، وسبب ذلك فيما أرى أن الشيخ حفظ أحاديثه من كتاب " إحياء علوم الدين " لأبى حامد الغزالى، وكان الغزالى – رحمه الله – مزجى البضاعة فى الحديث، تام الفقر فى هذا الباب!

فعكَّر علىَّ كتاب الشيخ ما كنت أجدهُ من المتعة في سماع خطب الشيخ كشك حتى كان يومٌ، فذكر الشيخ على المنبر حديثا عن النبى صلي الله عليه وسلم قال: ((إن الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة، ويتجلي لأبى بكر الصديق خاصة (6))). فلأول مرة أشك فى حديث أسمعه، وأسأل نفسى: ترى! هل هو صحيح أم لا؟ ومع شكى هذا فقد انفعلت له و تأثرت به بسبب صراخ الجماهير من حولى، استحساناً و إعجاباً!.

ولما رجعت الى منزلى، قلبت " السلسلة الضعيفة " حديثا حديثا أبحث عن الحديث الذي ذكره الشيخ كشك فلم أجده فواصلت بحثي، فبينما كنت فى بعض المكتبات وقفت على كتاب " المنار المنيف " لابن القيم – رحمه الله – بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقى – رحمه الله – فوجدتُ الحديث فيه، وقد حكمَ الإمامُ عليهِ بالوضع فيما أذكرُ، فعزمت على إبلاغ الشيخ بذلك نصيحة لله تعالى، وقد كان رسخ عندى أن التحذير من هذه الأحاديث واجبٌ أكيدٌ.

وكان للشيخ جلساتٌ فى مسجده بين المغرب والعشاء، فذهبتُ فى وقتٍ مبكرٍ لألحق بالصف الأول حتي أتمكن من لقائه فى أوائل الناس، فلما صلينا جلس الشيخُ على كرسيه فى قبلة المسجد، وكان له عادة غريبةٌ وهي أنه يمدُّ يده، فيقفُ الناس طابوراً طويلاً، فيصافحونه، ويقبِّلون يده وجبهته، و يُسُّر إليه كل واحد بما يريد، و كنت العاشرَ فى هذا الطابور، فقلت في نفسى: وما عاشر عشرة من الشيخ ببعيد!

فلما جاء دوري، قبَّلتُ يده وجبهته، وقلت له: إنَّ الحديث الذى ذكرتموه في الجمعة الماضية – وسميتُه – قال عنه ابن القيم أنه موضوع.

فقال لى: بل هو صحيح، فلما أعدت عليه القول، قال كلاماً لا أضبطه الأن لكن معناه أن ابن القيم لم يُصِب في حكمه هذا، ولم يكن هناك وقت للمجادلة، لأن من فى الطابور ينتظرون دورهم!

ومما حزَّ فى نفسى أن الشيخ سألنى عن العلة فى وضع الحديث فلم يكن عندى جواب، فقال لى: يابنى! تعلم قبل أن تعترض، فمشيت من أمامه مستخذياً؛ كأنما ديكٌ نقرنى!

وخرجت من مسجد ((عين الحياة)) ولدىَّ من الرغبة في دراسة علم الحديث ما يجلُّ عن تسطير وصفه بنانى، ويضيق عطنى، ويكُّل عن نعته لسانى، وكان هذ العلم آنذاك شديد الغربة، ولست أبالغ اذا قلت: إنه كان أغرب من فرس بهماء بغلس!!

وطفقت اسأل كل من ألقاه من إخوانى عن أحد من الشيوخ يشرح هذا العلم، أو يدلني عليه، فأشار على بعض إخوانى – وكان طالبا في كلية الهندسة – أن أحضر مجالس الشيخ محمد نجيب المطيعى رحمه الله تعالى وكان شيخنا - رحمه الله – يلقى دروسه فى (بيت طلبة ماليزيا) بالقرب من ميدان (عبده باشا) ناحية العباسية، وكان يشرح أربع كتب، وهي (صحيح البخارى) و (المجموع) للنووى، و (الاشباه والنظائر) للسيوطى، (إحياء علوم الدين) للغزالى، فوجدت في هذه المجالس ضالتى المنشودة، ودرتى المفقودة، فلزمته نحو أربع سنوات حتى توقفت دروسه بعد الإعتقالات الجماعية التى أمر بها أنور السادات و أنتهي الامر بمقتله في حادث المنصة الشهير، و رحل الشيخ - رحمه الله – إلى السودان، وظل هناك حتى توفى - رحمه الله – بالمدينه ودفن فى البقيع كما قيل لى. رحمه الله تعالي.0

و أتاحت لى هذه المجالس دراسة نبذ كثيرة من علمى أصول الحديث و أصول الفقه، و والله! لا أشطط إذا قلت: إننى أبصرت بعد العمى لما درست هذين العلمين الجليلين، و أقرر هنا أن الجاهل بهذين العلمين لا يكون عالما مهما حفظ من كتب الفروع، لأن تقرير الحق في موارد النزاع لا يكون الا بهما، فعلم الحديث يصحح لك الدليل، و علم أصول الفقه يسدد لك الفهم، فهما كجناحى الطائر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير