تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[شيخ الإسلام ابن تيمية .. والآخر]

ـ[شتا العربي]ــــــــ[29 - 07 - 07, 04:24 م]ـ

[شيخ الإسلام ابن تيمية .. والآخر]

جمال سلطان: بتاريخ 28 - 7 - 2007

أكثر ما أضر بالحالة السلفية في العالم الإسلامي هو أولويات الكتابة وسوء اختيار المداخل إلى العقل الإسلامي الجديد، مما أوقع الالتباس لدى قطاعات من التيار الإسلامي نفسه ناهيك عن الالتباس الذي وقع لدى التيارات الفكرية الأخرى في فهم واستيعاب الكثير من الحقائق عن أهل السنة والجماعة والتيار السلفي بشكل عام، ولذلك يكون من الأهمية بمكان أن تظهر كتابات سلفية جديدة تحسن اختيار مداخل الحديث، وتحسن اختيار الأفكار ذات الأولوية وتحسن التعامل مع هواجس العقل الإسلامي الجديد، وتلقي بالضوء على جوانب من تراثنا العلمي يحتاجها الجيل الإسلامي الجديد أو تغيب عن إدراكه، لذلك كانت سعادتي كبيرة بمطالعة كتاب الباحث الإسلامي عائض بن سعد الدوسري عن شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي جعل عنوانه "ابن تيمية والآخر"، والمفارقة المذهلة في الكتاب ليس فقط الذكاء في اختيار الموضوع وحسن اختيار المدخل الفكري والعلمي، وإنما أيضا اختيار المفكر الكبير الدكتور محمد عمارة لكي يقدم لهذا الكتاب، حيث كتب مقدمة فكرية من أجمل وأهم ما كتب عن ابن تيمية في الفكر الإسلامي الحديث، كشف فيها عن عمق عقلانية ابن تيمية، وهي العقلانية المنبثقة عن عمق وعيه بالوحي الإلهي، والتي تدرك اكتمال المعرفة بين العقل والنقل، وكلاهما هبة الخالق لخلقه، كما كشف عن الاحترام الكبير الذي حظي به ابن تيمية عند المتأخرين بعدما عرفوا فضله ووقفوا على آثاره، ولخص عمارة انبهاره بتراث ابن تيمية في قوله حرفيا (ولو أن المشروع التجديدي لابن تيمية قد وجد الدولة والسياسة التي تنهض به، لتغير وجه العالم الإسلامي ووجهته، ولاختصرت الأمة من عصور التراجع الحضاري عدة قرون)، في كتابه الجديد والمهم، كشف عائض الدوسري عن لمحات رائعة من سيرة ابن تيمية في تعامله مع خصومه في الفكر أو الرأي، أو "الآخر" بالتعبير الجديد، رغم أنه تحفظ على دقة هذا التعبير وفق المعايير الإسلامية، فبالتوازي مع صلابة ابن تيمية العقدية والفكرية وثقته العظيمة بالله، وهي التي جعلته يستعصي على التطويع من قبل السلطة، مما أدى إلى سجنه أكثر من مرة، حتى أنه مات في آخر مرة اعتقل فيها، إلا أنه كان واسع الصدر مع مخالفيه ووافر الاتزان في موقفه من خصومه، فعندما شنع عليه غلاة المتصوفة وخدم السلطان ووشوا به وكفروه وفسقوه، رفض أن يشنع عليهم أو أن يكفرهم، بل اعتبر موقفهم منه "اجتهاد" يرجو أن يثابوا عليه حتى ولو أخطأوا، ويستحضر المؤلف عبارات قالها ابن تيمية وتكتب بماء الذهب من روعة الموقف من المخالف في الرأي مهما تمادى في ظلمه، حيث يقول رحمه الله (وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدى حدود الله فيه)، وفي موقف آخر يقول شيخ الإسلام (فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد بكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي)، كتاب الدوسري جمع الكثير من مواقف ابن تيمية التي تكشف عن معدنه النادر، فهو شديد التواضع، قريب من الفقراء والمساكين، مجاهد صلب ضد الصليبيين والتتار، عف اللسان، وعفيف النفس، لم يزاحم أبدا على منصب أو قرب من سلطان، رغم هيبته وانتشار علمه وإقبال الناس عليه، وعندما اعتقلته السلطة ظلما بوشاية من خصومه رفض أن يدعو عليهم بل دعا لهم، واستثمر وجوده في السجن في التأليف والعبادة فأخرج العديد من المجلدات، حتى أن خصومه حسدوه في سجنه وضيقوا عليه فجعلوا السلطان يحظر عليه الأوراق والأقلام، فكان يستعمل الفحم في تسريب رسائله إلى تلاميذه ومحبيه، وعندما دارت الدائرة على خصومه من المتصوفة وبعض القضاة عندما أطيح بالسلطان بيبرس على يد السلطان محمد بن قلاوون الذي تآمر عليه بيبرس من قبل، أراد بن قلاوون أن يصفي حساباته مع كل الفقهاء وشيوخ المتصوفة والقضاة الذين ساروا في ركب بيبرس، فأخرج ابن تيمية من السجن وأكرمه واجتمع به في قصره طالبا منه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير