ومن هنا تولد الجهاد في سبيل الله الذي أصله الجهاد بالألسنة بالمجادلة بالتي هي أحسن، ثم يتفرع عنه الجهاد بالأيدي مجالدة، وبهذا يتخذ الله تعالى من أوليائه بعد الرسل صديقين له ولهم شهداء على ما بعثهم عليه من الهدى ودين الحق.
وجهاد الأيدي إنما عرف في بني إسرائيل، ثم في هذه الأمة، ولم يكن من طريق المسيح قبل رفعه، ولعل أصله تكسير أبي الجميع خليل الرحمن صلى الله عليه وعلى النبين وسلم للأصنام، مع ما كان له من المناظرة والمجادلة.
وأما سائر الرسل فكانوا يجاهدون في سبيل الله بألسنتهم وبيانهم، وقد بين الله تعالى أهمية الألسنة في دعوة رسله فقال:" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم".
وقد قال الخليل:" رب أرني كيف تحيي الموتى"
وقال الكليم:" رب أرني أنظر إليك".
فمن شأنهم زيادة الإيمان بالله تعالى وبما رتبه على الإيمان به من الإيمان بملائكته النازلة بوحيه والمدبرة لأمره بإذنه، والإيمان بكتبه ورسله، وباليوم الآخر الذي أصله البعث بعد الموت، وبالقدر الذي هو تفصيل الإيمان بعلمه وقدرته ومشيئته وتدبيره لأمور خلقه جل جلاله.
وطلب زيادة الإيمان هو من الإيمان، ومن صميمه، وهو أمر الله عزوجل.
والزيادة تكون إما بارتفاع نقيضه وهذا أمر سلبي يتضمنه الجهاد بالجدال والجلاد، ومن فروعه انكشاف الشبهات والرد على أهلها، بحسب الداعي ولو اقتضى ذلك التفصيل، وقول مثل:" هذا ربي هذا أكبر .. "، "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين".
وإما بزيادة مادته من العلم بالله سبحانه وبأسمائها وبمعانيها التي هي مناط استحقاقه لها ومناط وصفها بكمال الحسن (الحسنى)، وبآثارها التي أصلها كلامه وفعله ..
"أسألك بكل اسم سميت به نفسه أو أنزلته في كتابك أ"و علمته أحداً من خلقك" ...
فالعلم بالأسماء الحسنى موجب لزيادة فضل العالم بذلك.
وإذا الرب تعالى لا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء فسبيل العلم به هو تلقي الكلام المتضمن لذلك سماعاً بالأذن وبالقلب، وهو العقل للمسموع، وبه يحصل الانتفاع به، وهذا العقل للمسموع فيه الوقوف على معانيه وتصورها، وتصور ما غاب إنما هو تمثيل وليس بتحقيق، والله تعالى أخبر أنه ليس كمثله شيء، وأن له المثل الأعلى في السماوات والأرض، ونهى أن يضرب له عباده الأمثال، فانحصر طريق المثل الأعلى فيما يضربه للناس في كتابه وما يبينه رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وهي معاني ما سمى ووصف به نفسه سبحانه في كتابه وعلى لسان رسوله فإنه بوحي منه ..
والسلوك على صراط الله المستقيم الموصل إلى مجاورته في جنات النعيم إنما بني على هذا ..
وهذا العلم هو الذي يورث الإيمان المقتضي للإخبات.
كما قال تعالى:" وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم .. "
والحدث في الدين أخبر بوقوعه من جاء به من عند الله تعالى أعني رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين أن حكمه الرد فقال:" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".
فكل ما هو من الدين فالحدث فيه ممكن، وحكم جميع ذلك الرد.
فالكلام في أسماء الله وصفاته إن لم يكن ترجمة عن الله ورسوله مطابقة لما تلقي عن الله ورسوله فهي مردودة ..
لكن الترجمة أليست بلسان من يترجم لهم ..
والمجادلة وهي جهاد اللسان بسلاح البيان أليست بما يناسب الصائل وسلاحه ..
فابن تيمية إن استعمل اللسان المناسب لمن يجادلهم أو السلاح الملائم لمن يجالدهم أليس قد عمل بمقتضى الحكمة وطريقة الرسل ..
وهو ما دعوت إليه اتباعه في مراعاة عصرهم واختلاف زمانهم عن زمانه؟
فتصرف من تصرف من أتباعه في موضوع الأسماء والصفات وجعله ميدان حرب وجدال فقط، وليس ميدان معرفة وسلوك وترق في علي مدارج الإحسان أليس مع مخالفته لطريقة المتبوع هي التي ينبغي أن تنتقد؟.
ومعالجة الرجل لهذا الأمر خاصة واهتمامه به ليس لأجل مخالفة الأشاعة ولا لمخاصمتهم، بل قد خالف كثيراً من أصحابه الحنابلة وأصحاب الحديث وانتقدهم، في هذا الباب خاصة ..
وباختصار مبني عن إمعان نظر في كلام الرجل وسيرته بعد موجة عاتية من مخالفته والتبحر في كلام مخالفيه بل معاديه أقول: إن الرجل كان عارفاً بالله تعالى وبرسوله ولدينه، ويكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المحبة ما حلف بعض معاصريه من غير إقليمه أنه لم ير أشد تعظيما له منه، بل حلف على هذا بعض من هم أسن منه وأكثر مداخلة لأصناف المنتسبين للسلوك ومعرفة لله سبحانه ..
وقد أقر وتحقق أن ما قام به الشيخ في هذا الباب ضرورة لطلاب الإحسان، الذين تعنيهم قلوبهم التي هي محل نظر ربهم، ولا يعنيهم اما يكون بعد صلاحها وصلاح ما يصلح بصلاحها من أمورهم ما يكون موقفهم من الدنيا ولا طوائفها كلها ..
وأرجو أن لا تقع يا أخي في فخ الأسامي والنسب - الذي وقع فيه ثلة من المنتسبين إلى الرجل تقليداً للبيئة أو لمن يعظمون حباً لهم، أو رغبة فيما عند أحد أو رهبة _
فمسألة الأسماء والصفات ليست مسألة جدال مع أشاعرة أو غير أشاعرة ..
الأسماء والصفات ليست من قبيل الدواء فقط، بل هي في الأصل غذاء ..
بل هي الغذاء الأصلي للإيمان.
يا أخي نفس الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله هو فرع عن الإيمان باسم (الله) وفقهه والتعبد لله تعالى به ..
وكل الأسماء مندرجة فيه بمعانيها، فلهذا كان أهل هذه الكلمة في مراتب الإيمان بحسب حظهم من معرفة تلك التفاصيل والقيام بحقوقها ..
هذه مشاركة عابرة وعفوية، ولكن أرجو أن يكون فيها حظ من نصح،
وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه من التقصير والإساءة.
¥