وقال رحمه الله: وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لاتحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي.ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام. والله يؤتي فضله من يشاء.
(مفتاح دار السعادة بتحقيق علي حسن 1/ 476)
فالدعوة إلى الله لاتكون إلا على بصيرة كما في الآية الكريمة المذكورة آنفا، والبصيرة لا تأتي إلا بالعلم والفقه في دين الله، وأول من تتوافر فيه هذه الصفة العلماء، فالعلماء لابد أن يكونوا هم المتصدرين للدعوة فالأصل أن العلماء هم الدعاة، وأن الدعاة هم العلماء، وأن غيرهم تبع لهم، ولا شك أن كل طالب علم، وكل مسلم عليه أن يدعو إلى الله بقدر وسعه بشرط أن يكون على بصيرة في الأمر الذي يدعو إليه، وأن يكون تابعا في دعوته للعلماء لأنهم هم قادة الأمة.
(انظر كتاب العلماء هم الدعاة للدكتور ناصر العقل ص14).
ومع الأسف الشديد أن كثيرا ممن له دور في الإعلام وإبراز الأشخاص ونشر الأشرطة لايراعون هذا الأمر فتجد كثيرا من التسجيلات ولو كانت غير تجارية تبرز من ليس من أهل العلم أصلا، ومن عليه مؤاخذات كثيرة، وتهتم به أكثر من اهتمامها بكبار العلماء وقد دخلت قبل مدة أحد محلات التسجيلات الوقفية في الأصل، فوجدتهم قد وضعوا على الأرض في وسط المحل مئات من أشرطة عمرو خالد على شكل مربع كبير، لكن هذا الأمر لا يفعل مع الشيخ ابن عثيمين مثلا، مع أن له آلافا من الأشرطة في خطب ومحاضرات متنوعة فيها خير كثير، وعلم رصين، وأسلوب جميل، فلماذا لاتبرز أشرطته في إصدارات كما يفعل بأشرطة من لا يستحق ذلك؟!
وفي بلادنا كثير من أهل العلم والفضل المشهود لهم بالخير والرسوخ في العلم، لهم محاضراتهم ودروسهم وخطبهم الرصينة النافعة، فنشرها والعناية بها أولى من العناية بأشرطة من ليس من أهل العلم، ومن عليه مؤاخذات كثيرة.فإذا برز في الساحة أولئك الجهال زاحمت كلمتهم في الناس كلمة كبار العلماء وأهل الاختصاص الذين ليس لهم مثل ما لأولئك الجهلة من الشهرة.
وقد عقدت ندوة علمية في التلفاز تولاها عدد من أهل العلم والاختصاص الدقيق لمناقشة مسألة علمية، وأثناء المناقشة والبحث الذي لم يعجب إحدى المشاهدات اتصلت المذكورة وقالت: لو كان معكم عمرو خالد لأتى بالجواب الشافي.
ومع الأسف الشديد أنك حين تنصح أولئك الإعلاميين وأصحاب التسجيلات يقولون لك: هكذا يريد الناس.
وقد حُذِّرْنا من ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" متفق عليه.قال ابن حجر: في هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة.
(فتح الباري 1/ 195)
ومع الأسف الشديد والأسى المديد أنه صار كثير من الناس اليوم يقيسون فضل الإنسان
بما له من تأثير، فكل من له أسلوب مؤثر فهو العالم والداعية، ولو كان ممن يتكلم في دين الله بغير علم كعمرو خالد الذي يتكلم في دين الله بغير علم، ومع ذلك صار مضرب المثل عند كثير من الناس في النموذج المثالي للداعية العصري، وصار كثير من الناس يفضلون الاستماع إليه على الاستماع إلى كبار العلماء في خطبهم ومحاضراتهم كابن باز وابن عثيمين وغيرهما من أهل العلم وأصحاب الاختصاص. ووصل الأمر إلى أن تنقل دروسه من خيمته في منى أيام التشريق في إحدى القنوات الفضائية على الهواء مباشرة، وهذا ما لم يفعل مع كبار العلماء وأهل الاختصاص
وقد ذكر عمرو خالد نفسه في مقدمة كتابه إصلاح القلوب الذي كان في الأصل محاضرات ألقاها في مسجد الحصري في القاهرة ذكر أنه كان يستمع له في درسه الأسبوعي نحو خمسة عشر ألف شاب وشابة قال:كانوا آلاف في قلب واحد، كنت أحس أن الله ينطقني من أجلهم، كنت أحس كل أسبوع بالملائكة تحيط بنا كأني أراهم، يدلني على ذلك جو السكينة الرائع الذي يحف
¥