تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقيل ليحيى بن سعيد القطان:أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركتَ حديثهم خصماءك عند الله؟

فقال: لأن يكونوا خصمائي أحبُّ إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذبَ عن حديثي؟

(الكفاية 1/ 174، تدريب الراوي 2/ 496).

وسمع رجل الإمام أحمد بن حنبل، وهو يتكلم في أحوال الرجال، ومن يقبل ومن لا يقبل فقال له الرجل: يا شيخ لا تغتاب العلماء، فالتفت إليه أحمد فقال له: ويحك! هذه نصيحة؛ ليس هذا غيبة. (تاريخ بغداد 12/ 316).

وفي حادثة أخرى قال: إذا سكتَّ أنت، وسكتُّ أنا فمتى يَعرِفُ الجاهلُ الصحيحَ من السقيم؟

(الكفاية 1/ 179).

وأذكر هنا كلمة الحافظ الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه الذي نبه فيه على أوهام وقعت

للبخاري وغيره من الأئمة؛ إذ قال رحمه الله: ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه، ويقف على مالكتابنا هذا ضمناه يلحق سيء الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا، وعلماء سلفنا. وأنى يكون ذلك، وبهم ذُكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا. وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبوعمرو بن العلاء ... قال: ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال.

ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاما، ونصب لكل قوم إماما لزم المهتدين بمبين أنوراهم،

والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم ممن رزق البحث والفهم وإنعام النظر في العلم بيان ما أهملوا وتسديد ما أغفلوا؛ إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخطل. وذلك حق العالم على المتعلم، وواجب على التالي للمتقدم.

(موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب 1/ 5)

وقال الشيخ عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في أول تحقيقه لهذا الكتاب:

لا يرتاب ذو علم أن الخطيب محسن مصيب في بيان ما أخطأ فيه مَنْ قبله من الأئمة، وأنه بذلك مؤدٍ حق الله عز وجل، وحق العلم وأهله، وحق أولئك الأئمة أنفسهم؛ فإنهم إنما أرادوا بيان الحق والصواب، فإذا أخطأ أحد منهم كان ذلك نقيض ما قصد وأحب،

فالتنبيه على خطئه ليرجع الأمر إلى ما قصده وأحبه من حقه على كل من له حق عليه.

(مقدمة تحقيق موضح أوهام الجمع والتفريق /7)

وهذا يذكرني بموقف الشيخ الألباني رحمه الله حين ناقشه بعض الطلبة في تصحيحه أحد

الأحاديث، وبين له أنه لا يصح، وقال له الطالب: لعلي أثقلت عليك، فقال الشيخ رحمه الله: كيف تثقل علي، وأنت تخفف عني بعض ذنوبي في تصحيح بعض الأحاديث.

(إقامة البرهان للمؤذن /13).

فانظر إلى تواضع العالم المحدث المختص حين يراجعه مهندس في شيء من اختصاصه

الحديثي.وبعض المتطفلين على العلم الشرعي اليوم ممن اختصاصه في الهندسة أو الطب أو غيرها من الاختصاصات التي تأخذ أكثر وقت صاحبها إذا انتقده أحد العلماء المختصون فيما هو من اختصاصه الشرعي الذي هو أعلم به منه استكبر وامتعض وقال: هؤلاء يتصيدون أخطاءنا.وهو في الوقت نفسه يعترض على علماء الشريعة إذا تكلموا فيما يراه هو من اختصاصه كدوران الأرض ونحوها من المسائل التي تكلم فيها بعض علماء الشريعة بما فهموه من النصوص الشرعية، فأنكر بعض المتعالمين ذلك على العلماء، وأنكروا عليهم تدخلهم فيما ليس من اختصاصهم، لكنهم في الوقت نفسه يجيزون لأنفسهم الكلام في دين الله بما لا يعلمون وبما ليس من اختصاصهم، ويستقبحون رد أهل الاختصاص عليهم.نعوذ بالله من غلبة الهوى على العقل.

وكثير من الناس يغلب عليهم هواهم، فيتعصبون للأشخاص على حساب الحق، وينتصرون لهم أكثر من انتصارهم للدين والحق، ويسوءهم أن يبين العلماء أخطاء من يحبونهم، ولا يسوءهم خطأ حبيبهم في الدين، وكلامه فيه بغير علم.وهذا الذي ينتصرون له لن يغني عنهم يوم القيامة شيئا، وإنما ينفعهم نصرتهم لدين الله، والدفاع عنه، واتباعهم الحق، واستمساكهم به، ولو خالفه من خالفه.

قال الذهبي رحمه الله: فياحسرة على العباد كيف لايغضبون لله تعالى، ولايقومون في الذب عن معبودهم تبارك اسمه، وتقدست ذاته .... وينبغي للمرء أن يكون غضبه لربه إذا انتهكت حرماته أكثر من غضبه لفقير غير معصوم من الزلل ... فإني أخاف أن يعذبني الله على سكوتي كما أخاف أن يعذبني على الكلام في أوليائه. (تاريخ الإسلام49/ 284)

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرفه أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة؛ فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم، ويقتدى به مِنْ رأي أي مُعَظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ. ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل من خالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظَّم في نفوسهم؛ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإن كان مغفورا له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه.

(نقله عنه الشيخ محمد منير الدمشقي في تعليقه على إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار لصالح الفلَّاني /93)

ولهذا لما خالف ابن القيم رحمه الله الهروي صاحب كتاب منازل السائرين في بعض المواضع قال: شيخ الإسلام (يعني الهروي) حبيبنا، ولكن الحق أحب إلينا منه.

(مدارج السالكين لابن القيم 3/ 412باب التلبيس)

وهذا ما اتسع له الوقت الذي خصصته لكتابة هذه الرسالة، فأرجو أن يكون فيما ذكرته ما يكفي لبيان المقصود. والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه، نافعا لخلقه.

وكتبه حامدا ومصليا ومسلما الدكتور بسام الغانم العطاوي

رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين في الدمام

ظهر الجمعة 12/ 3/1425هـ ثم زدت فيه بعض الجمل في 15/ 7/1428 هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير