البحث الجاد في المسائل الفقهية المختلفة، والتي تهم عامة الناس في خاصة امورهم رغم اختلافات الآراء الفقهية، حق ممنوح للباحثين الاسلاميين، وهو ما دعا الباحث الفيفي النظر في اصل فعل «عفا» في حديث «أعفوا اللحى» في كتابه والذي طالما كان اشكالية لدى العلماء كونها من الأضداد، ولما فيها من معان مشتركة. ليخلص الفيفي في بحثه الجديد أن الهمزة في كلمة «أعفوا» انما هي تعني (السلب والإزالة) والفعل على معناه من الترك أو الزيادة والفضل، موضحا ان المعنى من الحديث «أزيلوا واسلبوا وخذوا ما زاد من لحاكم وفضل عنها وهذبوها»، وهو ما يلتئم مع ما فعله رواة الحديث بحسب ما ذكره في كتابه.
وقال الفيفي ان من روي عنهم الاخذ، كثير من الصحابة والتابعين وهو المنسجم تماما مع خصال الفطرة التي ورد الاعفاء منها، من كونها اخذا لفضول البدن وزوائده شعرا او ظفرا او تجملا، مؤكدا ان اعتبار الهمزة في الحديث للسلب والازالة هو ما يتفق تماما مع ما فهمته جماهير العلماء.
وفي شأن الافتاء والخروج بأحكام شرعية وفقهية مغايرة من عصر لآخر ومن مكان لآخر. وحقيقة وجود فوضى في الإفتاء أرجعت عبد الرحمن الفيفي أحقية البحث في الفتاوى المتعلقة بفقه العامة المرتبطة بقضايا الامة الاسلامية والدولة كإقامة الجمعة وتحديد صوم رمضان على سبيل المثال الى المفتي الرسمي. اما ما يتعلق بفقه الخاصة كحلق اللحى وقص الشعر وما يتعلق بملابس الافراد فيسع لكل شخص ان يخالف ما صدر فيها من فتاوى بالأخذ مما يقتنع به كما قال، موضحا ان «ذلك ما حصل فيه الخلاف بين علماء الدين الذي هو في حالة معالجته ستغيب «جل المشاكل التي تواجه المجتمعات الاسلامية» بحسبه.
وطالب الفيفي بضرورة تدوين المصادر حين استصدار الفتاوى وتسجيلها في كتيبات توزع في المرافق العامة للتأكد من بنائها الصحيح ومدى التزامها بالمعايير الفقهية السليمة، فالمتلقي الذي غاب عن قراءة الكتب والمراجع الفقهية واعتمد الكتيبات كمصدر ـ بحسب الفيفي ـ ساعد على نجاح اختراقه من قبل بعض المفتين المغالين وطلاب العلم. وانتقد الفيفي خروج البعض بفتاوى غريبة لا يحتاج لها عامة الناس، الأمر الذي يتسبب في النهاية بإثارة فتن وخلافات كفتوى أحد علماء الازهر بإرضاع الكبير وما يتعلق بالفتوى الأخرى لمفتي الديار المصرية بشأن التبرك ببول الرسول عليه الصلاة والسلام، مشيرا الى ان الفقه على نوعين؛ أحدهما يحتاجه الناس في أمورهم العامة يشرع فيها البحث الجاد ونوع اخر من الفقه لا يحتاجه الافراد لا ينبغى التطرق له في الوقت الحالي. واستشهد بابتعاد الامام مالك في موطئه عن ذكر «غرائب ابن مسعود وعزائم عمر بن الخطاب ورخص ابن العباس»، حيث ان الفقيه لابد ان يكون على قدر عصره.
الفيفي الذي قال في كتابه الحديث إن التصرف في اللحية كان مشاهدا منذ القرن الثاني وازدياده في القرن السادس الهجري حتى اصبح امرا معتادا ومعروفا إما بحلق بعضها ما يسمى في الوقت الحالي بـ «السكسوكة» واما بتقصيرها، او حلقها جملة، ليس من اثر الاحتكاك بالكفار.
وأفاد بأن المتقدمين كانوا «اوسع دائرة واسمح نفوسا وأيسر فقها من المتأخرين»، مشيرا الى ان التشدد يزداد تدريجيا كلما ابتعدنا عن عصر النبوة، حيث عظم التركيز على المسائل الفرعية وتعاظمت مسألة التشدد. فكما قال «العلماء منذ العشرين عاما هم اكثر سماحة من طلاب العلم الشرعي الجدد الذين تبنى كثير منهم التكفير والتبديع».
وبين الفيفي أن الانشغال في الآونة الأخيرة ببحث وتناول المسائل الصغيرة وتحويرها الى قطعيات مع اعتبارها مسلمات عقيدية كان نتيجة لتحول الجزئيات الى رموز لمتبنيها، تأكيدا على مدى الانتماء والولاء للجماعة، مضيفا الى ذلك انكباب طلاب العلم الشرعي المبتدئين وصغار القوم على تناول الجزئيات والفروع بسبب إمكاناتهم المتواضعة في العلوم الشرعية والفقهية.
واختتم الفيفي بحثه بخلاصة؛ مفادها ان حلق اللحى وجد في ظل عدم انكار العلماء او مبالغتهم في مسألة اللحية كما هو عليه اليوم، مبينا ان المبالغة في تحريم حلق اللحية أمر محدث لم يعتمده المتقدمون، وبحسبه أوائل من بالغ في المسألة وكفروا حالق اللحية بعض علماء القرن السابع. وفرد الفيفي في أحد الفصول البحث في مسألة مدى تشبه حالق اللحية بالكفار والمخالفين، موضحا ان تركها هو التشبه بالمخالفين وإبقاءها دون تهذيب وأخذ لفضولها حتى تشين وتبشع انما هو تغيير لخلق الله تعالى وتبديل لفطرته.)
إنا لله وإنا إليه راجعون
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[06 - 08 - 07, 08:38 م]ـ
الاخوة الاعزاء فرق بين أن يقال أن الاخذ
من اللحية فوق القبضة جائز، و بين القول ان المراد بالاعفاء هو القص في حدِّ ذاته.
أما مسألة أن العلماء لم يمنعوا الاخذ فيما فوق القبضة فليس محل اتفاق
بل نقل الاتفاق رعلى عكس ذلك.و>>>
¥