تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر من وفاء الكلاب، أن الكلب يفدي صاحبه بنفسه، بينما الإنسان يغدر بصاحبه، وصديق عمره، فقد حدثه عبيد الله بن محمد الكلبي: قال: حدثني أبي عن محمد بن خلاد قال: قدم على بعض السلاطين رجل، وكان معه حاكم أرمينية منصرفاً إلى منزله، فمر في طريقه بمقبرة، فإذا قبر عليه قبة بنية مكتوب عليها: قبر كلب، فمن أحب أن يعلم خبره، فليمض إلى قرية كذا، فإن فيها من يخبره,, فسأل الرجل عن القرية؟ فدلوه عليها، فقصدها وسأل أهلها، فدلوه على شيخ فبعث إليه وأحضره، وإذا شيخ قد جاوز المائة سنة، فسأله فقال: نعم كان في هذه الناحية ملك عظيم الشأن، وكان مشهوراً بالنزهة والصيد والسفر، وكان له كلب قد رباه وسماه باسم، وكان لا يفارقه حيث كان، فإذا كان وقت غدائه وعشائه أطعمه مما يأكل، فخرج يوماً إلى بعض منتزهاته، وأمر بربط الكلب لئلا يذهب معه، وقال لبعض غلمانه: قل للطباخ يصلح لنا ثريدة لبن، فقد اشتهيتها فأصلحوها، ومضى إلى منتزهاته، فتوجه الطباخ وجاء بلبن وصنع له ثريدة عظيمة، ونسي أن يغطيها بشيء، واشتغل بطبخ شيء آخر، فخرجت من بعض الشقوق أفعى فكرعت في ذلك اللبن، ومجته في الثريدة من سمها، والكلب رابض مربوط يرى ذلك كله، ولو كان له في الأفعى حيلة لمنعها، ولكن لا حيلة للكلب من الأفعى والحية، وكان عند الملك جارية خرساء زَمنَاء لا تستطيع القيام أو الحركة وقد رأت، صنع الأفعى.

ورجع الملك من الصيد في آخر النهار، فقال: يا غلمان أول ما تقدمون إليّ الثريدة، ولما وضعت بين يديه، أومأت الخرساء إليهم، فلم يفهموا ما تقول، ونبح الكلب وصاح، فلم يلتفتوا إليه، وألح في الصياح، فلم يعلم مراده فيه، ثم رمي إليه بما كان يرمى إليه في كل يوم فلم يقربه، ولج في الصياح، فقال لغلمانه: نحوه عنا فإن له قصة، وفك رباطه، مد الملك يده إلى اللبن، فلما رآه الكلب يريد أن يأكل، وثب إلى وسط المائدة، فأدخل رأسه في اللبن، وكرع منه، فسقط ميتاً وتناثر لحمه، وبقي الملك متعجباً منه ومن فعله، فأومأت الخرساء إليهم، فعرفوا مرادها، بما صنع الكلب، فقال الملك لغلمانه وحاشيته: إن من فداني بنفسه لحقيق بالمكافأة، وما يحمله ويدفنه غيري، ودفنه بين أبيه وأمه، وبنى عليه قبة وكتب ما قرأت، وهذا ما كان من خبره.

ومن وفاء الكلب روي عن أبي الدنيا باسناد ذكره النحوي في حديث مشهور: ان الطاعون الجارف أتى على أهل دار فلم يشك أحد من أهل المحلة، انه لم يبق فيها صغير ولا كبير، وكان قد بقي في الدار صبي رضيع صغير، يحبو ولا يقوم، فعمد من بقي من أهل تلك المحلة، إلى باب الدار فسدوه، فلما كان بعد ذلك بأشهر تحول إليها بعض ورثة القوم، فلما فتح الباب، وأفضى إلى عرصة الدار أو وسطها إذا هو بصبي يلعب مع جرو كلبة كانت لاصحاب الدار، فلما رآها الصبي حبا إليها فامكنته من لبنها، فعلموا ان الصبي بقي في الدار، وصار منسياً، واشتد جوعه، ورأى جرو الكلبة يرضع، فعطف عليها وعطفت عليه، فلما سقته مرة، أدامت له وأدام لها الطلب تلك المدة، سبحان مسبب الأسباب.

والكلب يحافظ على حرمات صاحبه، ويرعى كل أمر يهمه، فقد كان للحسن بن مالك القنوي اخوان وندمان، فأفسد بعضهم حرمته في أهله، وكان للحسن على باب داره كلب قد رباه، فجاء الرجل يوماً في غياب الحسن إلى منزله، فدخل إلى امرأته، فقالت له: قد بعد فهل لك في جلسة يسر بعضنا ببعض فيها؟ فقال: نعم فأكلا وشربا، ووقع منهما الشر، ورأى الكلب ذلك، فوثب عليهما فقتلهما,, فلما جاء الحسن ورآهما على تلك الحال، تبين ما فعلا، فأنشأ يقول:

أضحى خليلي بعد صَفو مودّتي ... صريعاً بداء الذّلّ أسلمه الغدر

وَطَا حُرمتي بعد الإخاء وخانني ... فغادره كلبي وقد ضمّه القبر

وكثيراً ما يكون الكلب سبباً في نجاة صاحبه من مصيبة كبيرة، قد تكون مهلكة بينما الانسان يغدر بصاحبه ويخونه، يقول المؤلف: وسمعت من رجل من أهل البصرة كانت له صحبة مع أهلي انه خرج الى بساتين أعلى البصرة، ومعه كلب، ولما كان بجوار أحد أنهار البصرة، كده الحر، فدخل احدى قباب القصب، الذي يخرجه الفلاحون من أجل تجفيفه ويصنعون منه ما يشبه القباب، ويسكنون فيها، قال: فنمت بالقبة، وكانت حارة جداً، وتنبهت بعد العصر، وقد انصرف الذين يجمعون القصب، فاستوحشت للوحدة، وعملت على القيام، فاذا بأفعى في غلظ الساق أو الساعد،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير