وتبيّن للدكتور أن الأمر تجاوز التحريف إلى بتر بعض الأبيات ذوات العدد من بعض القصائد، يقول: "وذكرت حديث الشيخ شاكر رحمه الله وكنت أظن فيه بعض الحدة، فإذا حديثه دون أن ينهض لهذا التضليل الذي انساقت إليه طبعة الأب شيخو، والتي أرادت أن تسوق إليه الناس في شيء كثير من الاستخفاف بكل أمانة العلم وخلق العلماء" [3].
نماذج من تحريفات الأب لويس شيخو:
ذكر الدكتور شكري فيصل عدة ملاحظات على مطبوعة شيخو: ((الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية))، ومنها:
1 - طمسه معالم عمل ابن عبد البر حين سكت عنه وأغفل التعريف به، ولم يشر إلى ما أفاد منه، وتعمد ألا يذكره بشهرته ابن عبد البر واكتفى بنسبته (النمري). والقارئ لا يدري أي نمري هو!.
2 - سكوته عن وصل الروايات والمقابلات بمصادرها، مكتفياً بهذه المقالات الصماء: روي له، وفي رواية، ويروي، وفي مخطوطة من باريس
3 - طيّه شعر أبي العتاهية الغزلي حيناً، وتحريفه لبعضه حيناً آخر، حذف القطعة خبر منه لأنه يجعل (الحب) (ودّاً)، والهوى نوى والجارية نديماً، والوجه رأياً في مثل البيت التالي:
في هواه وله وجه حسن عزة الحب أرته ذلتي
فيصبره إلى:
في نواه وله رأي حسن عزة الود أرته ذلتي
4 - ولكن أعظم من ذلك إنما كان في هذه التحريفات التي تعمدها وهي تتنوع: فتتناول الكلمة حيناً والجملة حينا، والشطر أو البيت كله مرة والأبيات ذوات العدد في بعض الأحايين.
وهذه نماذج من كل نوع:
1 - في قول أبي العتاهية:
ولكنك المولى ولست بمولود شهدنا لك اللهم أن لست والدا
فقد حرف (والداً) فجعلها (محدثا).
2 - وقوله:
غداً بين سائق وشهيد ليت شعري كيف حالك يا نفس
فقد حرف التعبير القرآني سائق وشهيد إلى سابق وشهيد.
3 - وقوله:
ثم قبر ونشور وجلب أسقام ثم موت نازل
فقد حرف نشور إلى نزول.
4 - وقوله:
وحورهن لساهية إن العقول عن الجنان
وقد حرف حورهن إلى دورهن.
5 - وقوله:
فاذكر مصابك بالنبي محمد وإذا ذكرت محمدا ومصابه
فقد حرف البيت هكذا:
فاجعل ملاذك بالإله الأوحد وإذا ذكرت العابدين وذلهم
فهو لا يطيق أن يرى لفظة (محمد) صلى الله عليه وسلم
6 - قوله:
هو الذي لم يولد ولم يلد الحمد لله الواحد الصمد
فقد غير الشطر الثاني مع عقيدته القائلة بأن المسيح ابن الله _ إلى
فهو الذي به رجائي وسندي
7 - وإليك أيها القارئ الكريم تحريفاته في هذه القطعة:
ينبغي للدين ألاّ يطرَح يا بنى ادم صونوا دينكم
نبي قام فيكم فنصحب واحمدوا الله الذي أكرمكم
غير بنبي إلى بنذير
كل خير نلتموه وشرح بنبي فتح الله به
غير بنبي إلى بخطيب
في التقى والخير شالوا ورجح مرسل لو يوزن الناس به
غير مرسل إلى ابن من
ورسول الله أولى بالمدح فرسول الله أولى بالعلا
غير البيت هكذا:
ونذير الخير أولى بالمدح [4]
فنذير الخير أولى بالعلا
8 - وعندما لا يستقيم للأب لويس شيخو تغيير البيت يعمد إلى إسقاطه وحذفه، ومما حذفه الأبيات التالية:
صلى الإله على النبيّ المصطفى وهو الذي بعث النبيّ محمدا
حاشا له أن يكون مشتركا الحمد لله لا شريك له
من مهتد رشيد وهادى أين أين النبي ّ صلى عليه الله
بل هو يحذف الأبيات ذوات العدد، كصنيعة في حذف الأبيات السبعة الأولى من هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها 26 بيتاً:
ولا تنس قبرا بالمدينة ثاويا ليبك رسول الله من كان باكيا
فقد كان مهديا دليلا وهاديا جزى الله عنا كل خير محمدا
إذا كنت للبرِّ المطهِّر ناسيا ولن تسرى الذكرى بما هو أهله
وآثاره بالمسجدين كما هيا أتنسى رسول الله أفضل من مشى
وأكرمهم بيتاً وشعبا وواديا وكان أبّر الناس بالناس كلهم
عليه سلام الله ما كان صافيا تكدّر من بعد النبي محمد
ومن علمٍ أمسى وأصبح عافيا فلم من منار كان أوضحه لنا
وبعد هذه الأبيات التي حذفها:
وكشّفت الأطماع منا المساويا ركنا إلى الدنيا الدنية ضلة
نراها فما نزداد إلا تماديا وإنا لنُرمى كل يومٍ بعبرة
عليها ودارٍ أورثتنُّا تعاديا نُسرُ بدارٍ أورثتنا تضاغُنا
تقلب عريانا وان كان كاسيا إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى
جميعاً وكن ما شئت لله راجياً اخي كن على يأس من الناس كلهم
فحسب عباد الله بالله كافيا ألم تر أن الله يكفي عباده
والقصيدة رائعة يختمها بقوله:
ألا لخراب الدهر أصبحت بانيا ألا أيها الباني لغير بلاغة [5]
¥