تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمشركون على أساس زعمهم هذا جعلوا هؤلاء الأنبياء والأولياء والصالحين وسيلة فيما بينهم وبين الله، واخترعوا أعمالاً يتقربون بها إليهم، ويبتغون بها رضاهم، فكانوا يأتون بتلك الأعمال ثم يتضرعون إليهم، ويدعونهم لقضاء حوائجهم، ويستغيثون بهم في شدائدهم، ويستعيذون بهم في مخاوفهم.

أما الأعمال التي اخترعوها للتقرب إليهم فهي أنهم خصصوا لهؤلاء الأنبياء أو الأولياء والصالحين أماكن، وبنوا لهم فيها البيوت، ووضعوا فيها تماثيلهم التي نحتوها طبق صورهم الحقيقية أو الخيالية وربما وجدوا قبور بعض الأولياء والصالحين حسب زعمهم، فبنوا عليها البيوت دون أن ينحتوا لهم التماثيل ثم كانوا يقصدون هذه التماثيل وتلك القبور، فكانوا يمسحونها ويتبركون بها، ويطوفون حولها، ويقومون لها بالإجلال والتعظيم، ويقدمون إليها النذور والقرابين، ليتقربوا بها إليهم، ويبتغوا بها من فضلهم، وكانوا ينذرون لهم مما كان يرزقهم الله من الحرث والزرع والطعام والشراب والدواب والأنعام والذهب والفضة والأمتعة والأموال.

فأما الحرث والزرع والطعام والشراب والذهب والفضة والأمتعة والأموال فكانوا يقدمونها إلى أماكن وقبور هؤلاء الصالحين، أو إلى تماثيلهم، بواسطة سدنة وحجاب كانوا يجاورون تلك القبور والبيوت، ولم يكن يقدم إليها شيء إلا بواسطتهم في معظم الأحوال.

وأما الدواب والأنعام فكان لهم فيها طرق، فربما كانوا يسيبونها باسم هؤلاء الأولياء والصالحين، من أصحاب القبور أو التماثيل، تقرباً إليهم وإرضاءً لهم، فكانوا يقدسون هذه الدواب، ولا يتعرضون لها بسوء أبداً ترتع ما شاءت، وتتجول أين شاءت، وربما كانوا يذبحونها على أنصاب هؤلاء الأولياء – أي على قبورهم وأماكنهم المخصصة لهم – وربما كانوا يذبحونها في أي مكان آخر، ولكن كانوا يذكرون أسماءهم بدل اسم الله – سبحانه وتعالى -.

وكان من جملة أعمالهم أنهم كانوا يحتفلون بهؤلاء الأولياء والصالحين مرة أو مرتين في السنة، فكانوا يقصدون قبورهم وأماكنهم من كل جانب، فيجتمعون عندها في أيام خاصة، ويقيمون لها أعياداً، يفعلون فيها كل ما تقدم من التبرك والمسح والطواف وتقديم النذور والقرابين وغير ذلك، وكان كالموسم يحضره الداني والقاصي، والشريف والوضيع، حتى يقدم كل أحد نذره، وينال بغيته.

كانوا المشركون يفعلون كل ذلك بهؤلاء الأولياء والصالحين تقرباً إليهم وإرضاءً لهم، ليجعلوهم وسطاء بينهم وبين الله، وليتوسلوا بهم إلى الله، معتقدين أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، ويشفعون لهم عند الله، ثم كانوا يدعونهم لقضاء حوائجهم ودفع كرباتهم، معتقدين أنهم يسمعون لما قالوا، ويستجيبون لما دعوا وطلب منهم، فيقضون حوائجهم، ويكشفون كرباتهم، إما بأنفسهم، وإما بشفاعتهم لذلك عند الله.

فكان هذا هو شركهم بالله، وعبادتهم لغير الله، واتخاذهم آلهة من دون الله، وجعلهم شركاء لله، وكان هؤلاء الأولياء والصالحون وأمثالهم هم آلهة المشركين.

فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى توحيد الله، وخلع كل ما اتخذوه إلهاً من دون الله، شق ذلك على المشركين، وأعظموه وأنكروه، وقالوا: إنها مؤامرة أريد بها غير ما يقال، وقالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق.

ثم لما تقدمت الدعوة وقرر المشركون الدفاع عن شركهم، والدخول في النقاش والجدال ومناظرة المسلمين ليكفوا بذلك الدعوة إلى الله، ويبطلوا أثرها في المسلمين، أقيمت عليهم الحجة من عدة جوانب، فقيل لهم: من أين علمتم أن الله تعالى أعطى عباده المقربين التصرف في الكون، أنهم يقدرون على ما تزعمون من قضاء الحوائج وكشف الكربات؟ هل أطلعتم على الغيب؟

أو وجدتم ذلك في كتاب ورثتموه عن الأنبياء أو أهل العلم؟

قال تعالى: (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) وقال: (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين) وقال: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير