لاشك أن بلاد المغرب الشمالي أو أفريقيا البيضاء على ما يقال بدوله الثلاث كان قبل الاستعمار بلادًا تسودُها الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية، ولكن بعد تمكّن الاستعمار الفرنسي الغاشم والاستعمار الاسباني الدخيل من هذه البلاد الإفريقية قلبها هذا الاستعمار ظهرًا على بطن، ولم يخرج منها إلاّ وقد خلّف فيها من الجهل بالإسلام والتنكُّر لتعاليمِه وأنواع التفسّخ والانحلال الخلقي ما يلمسه ويراه كلّ من زار تلك البلاد الشقيقة من الغيورين على الأخلاق الإسلامية: ترى المساجد ولكن لا ترى المصلين، بل ترى من بقي باسم الإسلام من الطرقيين وأتباعهم يعكفون عند المشاهد يطوفون بها، أو يتفرّجون عليها، وفي تونس تجد التماثيل والصور الخليعة في أكثر البيوت وفي المكتبات، بل وفي بيوت من يتسمون بمشايخ الدين تجد هذه التماثيل في أكثر بيوتهم، والغالب على هذه التماثيل صور نساء عاريات ومنصوبات في جانب البيت.
وللتجانية والدرقاوية في تونس والمغرب انتشار واسع هائل في تلك الزوايا المتبعثرة في جميع مدنها بقببها المبنية على القبور، وتجد هؤلاء يعمرون تلك المشاهد ويهجرون ما عندهم من المساجد إلاّ قليل ممن يعدون بالأصابع، تجد هذا القليل منهم يصيحون عند كل مسجد تدخله يصيحون فيه قبل الصلاة وبعد الصلاة بدعوى الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على شكل ينكره كل من له ذوق سليم وعقل حكيم فضلاً عن المسلم المتسمك بأهداب السنة.
يغلب على هؤلاء الخرافيين طابع التيجانية الشاذة، أو طابع الدرقاوية الهزيلة، هذا كل ما بقي باسم الإسلام في تلك البلاد: لعبة التيجانية، ومهزلة الدرقاوية، ويواكب هاتين الخرافيتين البرهميتين بدعة التعصب المذهبي الذي يحمل اسم المذهب المالكي في المغرب واسم المذهب الحنفي والمالكي بتونس.
هذا، وفي تونس والمغرب ناسٌ ملتزمون بأخلاق الإسلام، ولكنهم قلّة
( ... )
بل إن الاستعمار الافرنجي يستغل وجود هذه الخرافات للقضاء على الإسلام وتشويه سمعته بواسطة هؤلاء الدراويش من التيجانيين الدرقاويين والعيساويين والقادريين والمتعصبين باسم المذهب،
وقد اجتمعنا في طنجة بشخص مسئول كبير، يدعى (أحمدنية) متهم بالشيوعية وجرت بيننا وبينَه محاورة نحو الإسلام وأن الإسلام صالحٌ لكل زمان ومكان دولة وعقيدة وعمل، ولكن عارضنا بجرأة ووقاحة وقال ان الإسلام ناقص وليس شاملاً لكل القضايا الدينوية، وادعى أن الشيوعية والاشتراكية المادية العلمانية الإلحادية هي التي وحدها تقدر على تنظيم الحياة الدنيوية، فأبنّا له أن قوله هذا نشأ من الجهل بالإسلام ومن تقليده لأعدائه الذين شوّهوا سمعة الإسلام بمثل هذه الأقوال الباطلة،
وذكرنا له أن الله عزّ وجل قال في كتابه الكريم: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، وأن هذا الحق حق عرفه من عرفه وجهله من جهله،
وقلنا له: هل تعرف قضية لم يعالجها الإسلام حتى احتاجت إلى أن تعالجها الاشتراكية؟، فقال نعم إن التعامل بالبنوك منعه الإسلام مع أن الحياة متوقفة على هذا التعامل. فقلنا له: ليس الأمرُ كما زعمتَ، بل إن الإسلام لم يمنع التعامل بالنبوك مطلَقا، إنما منع التعامل بالربا الذي يتضمن التعامل به ظلم الآخرين وسلب أموالهم بغير حق، وهذا من عدالة الإسلام الشاملة أنْ منعَ الظلمَ بأيِّ وجهٍ كان الظلم، وأن الله حرم الظلم، وأن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة،
وليس من الغريب أن تتعامل الشيوعية الاشتراكية بالربا ولا بغيره من المحرّمات، إذْ لا ذنبَ فوق الكفر، فإن الشيوعية كفرٌ بواحٌ كغيرِها من أنواع الكفر، سواء كان انفصاليا أو قوميا أو بعثيا فإنه لا يستبعد منه أن يتهم الإسلام بالتقصير حينما أن التقصير من الكفر والإلحاد لا من الإسلام فالإسلام كامل.
هذا، ولو تعاونت الجهات المسؤولة في الحكومة السعودية من دار الإفتاء والجامعة الإسلامية والرابطة والإشراف على الحرم المكي ووزارة المعارف ووزارة التعليم العالي لو تعاونت هذه الجهات على إرسال مرشدين إلى تلك البلاد مع قبول الراغبين في طلب العلم في مدارس الحكومة والجامعة الإسلامية وغيرها بدون التقيّد بالمراسم الحكومية في بلادهم، بل يكتفى بتزكية أناس معروفين بالصلاح هناك لكان هذا التعاون مفيدًا في تلك البلاد، لا سيّما وفي هذه البلاد شباب توّاقون للعلم يبحثون عنه ويسألون كل من يلقونه من أهل العلم الذين ينتابون بلادهم.
تنبيه:
قد التقينا في الدار البيضاء بالأخوين الكريمين الشيخ ناصر الدين الألباني والأخ محمد البنا في طريقهم إلى لندن مبعوثين للإرشاد في لندن، تمتعنا بهم ليلة الخميس التي سنغادر في صباحها بلاد المغرب، وكانت تلك الليلة مونسة سارّة عمرت بالأحاديث النبوية والإرشادات السنية، حضرنا في مساء الأربعاء محاضرة قيِّمة بعنوان (إقامة الصفوف في الصلاة من إقامة الصلاة) ألقاها الشيخ ناصر الدين الألباني في الجامع المحمدي في الدار البيضاء. "
من "المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري" (333 - 346/ 1)
منقول
¥