هذا وإنّي أعلم أن ما وضعته هنا من المؤلفات بقصد أن يتدرج طالب العلم في دراستها حتى يرتفع في درجات العلوم الشرعية، قد يكون غير ه أولى منه ممّا لا أعلمه أو نسيته، غير أن ما اخترته لطالب العلم سيبلغه بإذن الله تعالى بغيته، ويوصله إلى مراده، وإنما يتمّ له ذلك، إذا استصحب التقوى والاخلاص، فهما نور العلم، وقطب رحاه، و إذا فقدهما الطالب لم يبارك في علمه، ولم يزده من الله تعالى إلا بعدا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (وقد أوعبت الأمّة في كل فن من فنون العلم إيعابا، فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلال) مجموع الفتاوى 10/ 665 0
والله تعالى أسأل بحق أسماءه الحسنى، وصفاته العليّة العُظمى، أن يتقبّل منها أعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، ويكتب لنا بها الحسنى في دار كرامته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
حامد عبدالله العلي
الكويت غرة صفر 1422هـ
أوّ لاً: نصائح عامّة لطالب العلم
هذه عشر نصائح ينبغي أن يستصحبها طالب العلم في طريق الطلب، وقد إستفدناها من كتاب (حلية طالب العلم) للعلاّمة بكر أبو زيد، ومن غيره، مع إضافات:
1ـ على طالب العلم في طريق الطلب، أن يستحضر إخلاص الوجه لله تعالى، وعليه أن يستصحب نية الثواب والزلفى إلى الله تعالى، وابتغاء ما عنده في الآخرة، وضد ذلك الإخلاص الرياء، وحب الظهور، والتطلع إلى التفوق على الأقران، أو طلب الدنيا من مال أو جاه أو منصب أو شهادة يتوصل بها إلى متاع الحياة الدنيا، فإن ذلك كله يذهب بركة العلم، قال بشر بن الحارث رحمه الله (رأيت مشايخ طلبوا العلم للدنيا فافتضحوا، وآخرين طلبوه فوضعوه مواضعه وعملوا به وقاموا به فأولئك سلموا فنفعهم الله تعالى 000ولقد رأيت أقواما سمعوا من العلم اليسير فعملوا به، وآخرين سمعوا الكثير فلم ينفعهم الله به) حلية الأولياء 8/ 349
2ـ وعليه أن يتخلق بأدب التواضع وخفض الجناح، وضده الخيلاء، والإعجاب بالنفس، و التطاول على المعلّم، والتفاخر على النّاس، والاستكبار عن الإقرار بالخطأ 0
3ـ وعليه أن يكون ذا سمت حسن، فلا يلعب ويعبث ويرفع صوته بالسخف وكثرة الضحك، ولا يتبجح بالطعن في مخالفيه وأقرانه ليظهر تميّزه عليهم 0
4ـ وعليه أن يتخلق بالرفق، وضده الكلام الجافي والتعنت والتعسف في معاملة الناس والحكم عليهم 0
5ـ وعليه أن يعتني بالقرآن عناية تامّة، ويكثر من تلاوته وحفظه، ويتخذ له الأوراد من ذكر وصلاة وصيام ونوافل، فإنّها من أعظم ما يعين الطالب على مقصده من طلب العلم بتوفيق الله تعالى 0
6ـ وعليه أن يتدرج في منهج الطلب، فيحفظ مختصر من كل فن إن أمكن، ويضبطه على معلّم حاذق، ثم ينتقل إلى ما فوقه وهكذا، وليتجنّب الإشتغال بالمطولات، والمصنفات المتفرقة قبل أن يضبط أصول العلوم، ولا يصح في الطلب أن يستعجل طالب العلم الوصول إلى الخلاف العالي قبل المبادئ والأصول التي تحتويها المختصرات، فإن ذلك يشتته ويذهب كثير من فائدة الطلب، كما قال سفيان الثوري رحمه الله (إذا ترأس الرجل سريعا أضر بكثير من العلم وإذا طلب وطلب بلغ) حلية الأولياء 7/ 81 0
7ـ وعليه أن يختار الشيخ المربيّ ذي اللسان الورع، والخلق الحسن، المترفع عن إتيان الشبهات، وعن سفساف الأخلاق، وعليه أن يحسن معاملته بالسؤال في الوقت المناسب، والإنصات والحرص على الحضور والمذاكرة0
8ـ وعليه أن يختار القرين الصالح الحريص على العلم بآدابه، وضده اللعّاب البحّاثة عن الخلاف، والقيل والقال، المنشغل بما لا يعنيه المتطاول على المسائل الكبار قبل إتقان العلم، فلا تصاحب من هذا شأنه فإنّه يضيّع عمرك بلا فائدة 0
9ـ وعليه أن يكون له عناية خاصّة باقتناء الكتب، لاسيما كتب السنة والآثار، وكتب ابن القيم وابن تيميّة، ومصنفات علماء دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وغيرها من الكتب السلفيّة التي تقوم على تقديم الكتاب والسنة وآثار السلف واقتفاء نهجهم والتمسك بالأصول التي أجمعوا عليها، ففد جعل الله فيها الخير والبركة 0
¥