إذا كنت معافى من هذه الأسقام كلها فهل تظن القدر زودك بقدرة تافهة؟ ... ومن الخطأ أن تحسب رأس مالك هو ما اجتمع لديك من ذهب وفضة، إن رأس مالك الأصيل جملة المواهب التى سلحك القدر بها، من ذكاء وقدرة، وحرية، وفى طليعة المواهب التى تحصى عليك، وتعتبر من العناصر الأصيلة فى ثروتك ما أنعم الله به عليك من صحة سابغة، وعافية تتألق بين رأسك وقدمك وتتأنق بها فى الحياة كيف تشاء " (محمد الغزالى: جدد حياتك ص 110، 111)
وقال عائض القرنى:
" المعنى أن تذكر نعم الله عليك فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك، صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، وهواء وماء، لديك الدنيا وأنت ما تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم، عندك عينان، ولسان وشففان، ويدان ورجلان، هل هي مسئلة سهلة أن تمشي على قدميك، وقد بترت أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك، وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام، ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام؟! تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم، وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، وانظرإلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، والمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبا؟! أتحب بيع سمعك وزن ثهلان فضة؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع؟! إنك في نعما عميمة وأفضال جسيمة، ولكنك لا تدري، تعيش مهموما مغموما حزينا كئيب! وعندك الخبز الدافىء، والماء البارد، والنوم الهانىء، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود، تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة "
ثانياً: أما الفصل الذى جاء فى كتاب الشيخ محمد الغزالى ـ رحمه الله تعالى ـ بعنوان: " لا تبك على فائت " فقد جاء فى كلام عائض القرنى بعنوان: " ما مضى فات "
يقول الشيخ الغزالى رحمه الله:
" ما قيمة لطم الخدود وشق الجيوب على حظ فات أو غرم ناب؟
ما قيمة أن ينجذب المرء بأفكاره ومشاعره إلى حدث طواه الزمن ليزيد ألمه حرقة وقلبه لذعاً؟
لو أن أيدينا يمكنها يمكنها أن أن تمتد إلى الماضى لتمسك حوادثه المدبرة فتغير منها ما تكره، وتحورها على ما تحب لكانت العودة إلى الماضى واجبة ... ولعهرعنا جميعاً إليه، نمحو ما ندمنا على فعله، ونضاعف ما قلت أنصبتنا منه.
أما وذلك مستحيل فخير لنا أن نكرس الجهود لما نستأنف من أيام وليال، ففيها وحدها العوض.
إن المرء ليس متهماً فى حرصه على مصلحته، فإذا ضاعت هذه المصلحة لسبب ما، خصوصاً تلك التى تتصل بالآجال والأرزاق، فلنجعل من إيماننا بالله وقدره ما يحجزنا عن التعلق بالأوهام والحماقات." (جدد حياتك ص 84)
وجاء فى كلام عائض القرنى:
" تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره، والحزن لمآسيه حمق وجنون، وقتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة. ان ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى، يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال فلا يخرج أبدا، ويوصد عليه فلا يرى النور، لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، لا الغم يصححه، لا الكدر يحييه، لأنه عدم، لا تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت، أنقذ نفسك من شبح الماضي، أتريد أن ترد النهر إلى مصبه، والشمس إلى مطلعها، والطفل إلى بطن أمه، واللبن إلى الثدي، والدمعة إلى العين، إن تفاعلك مع الماضي، وقلقك منه واحتراقك بناره، وانطراحك على أعتابه وضع مأساوي رهيب مخيف مفزع.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة، ذكر الله الأمم وما فعلت ثم قال: {تلك امة قد خلت} انتهى الأمر وقضي، ولا طائل من تشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التا ريخ.
إن الذي يعود للماضي، كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلا، وكالذي ينشر نشارة الخشب. وقديما قالوا لمن يبكي على الماضي: لا تخرج الأموات من قبورهم، وقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم أنهم قالوا للحمار لم لا تجتر؟ قال: أكره الكذب.
¥