ـ[محمد الحسن]ــــــــ[26 - 02 - 08, 08:58 م]ـ
جزى الله خيرا الشيخ الباشا الجزائري وأمثاله من طلبة العلم الفضلاء الغيورين على كتب تراث أمتهم، وإن من غيرتنا على هذا التراث هو العمل على بيان حال من ينتحل العلم وتحقيق النصوص؛ فلقد أصبح كلُّ من هبَّ و دبَّ يمارس مهنة التَّحقيق، وصارت آلات الطباعة تدور لتخرج تراثنا مشوهًا بحروفٍ جميلة، وألوان جذابة، و تجليد فاخر، من غير عناية بالمحتوى.
فالبليَّة عامة والخطب خطير، و ذلك أن تراث الأمة من أعظم جوانب إحياء مجدها خطرا، وأبقاها على الأيام أثرًا, فهو وجدانها و تجربتها عبر التاريخ لا سيما في هذه الأعصر التي تحتاج فيها الأمة إلى تثبيت هُويتها الحضارية, لانطلاق أبنائها نحو استعادة أمجادهم وتطهير أوطانهم من دنس الغزو الفكري الذي تعمل جهات العولمة الخبيثة على طمس معالمه، وفرض المثل و الأخلاقيات الغَرْبِيَّة الغَرِيبَة عليه.
إن العناية بالتراث وتحقيقه وتجليته يتطلَّب توفُّر علماء من ذوي الباع الرَّحب في علوم شتَّى, فضلًا عن عمقٍ وتخصص في الموضوع الذي يتناولون تحقيقه.
نرى اليوم وقلوبنا تعتصر من الألم لأننا نرى امتهانًا لتراث أمتنا في حين يتصدي له من لاخبرة له به, و ليس هناك حسيبٌ ولا رقيب.
نعود إلى مشاركة الأخ الباشا الجزائري، وتحقيقات السيد الكندري.
لقد أكرمني الله سبحانه و تعالى من أيام لشراء نسخةٍ من كتاب ((صلة التكملة لوفيات النقلة)) لمؤلفها الحافظ الحسيني - رحمه الله تعالى، ورحم جميع أسلافنا الكرام - وقد قرأت مقدمتها وبعضًا من تراجمها بمتعةٍ شديدة، وتألمت كثيرًا من صنيع الكندريّ من إجرام في حق تراثنا، و إليكم إخواني الأحبة نماذج أنقلها من طبعة المحقق العلامة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف حفظه الله من كل سوء.
قال الدكتور بشار عواد 1/ 26:
((وحين كنت أعد هذا الكتاب للنشر ظهرت له طبعة عن دار ابن حزم في بيروت كُتب على غلافها ضبط النَّص و علق عليه أبو يحيى عبد الله الكندري، وقد أعجبني في البدء غلافها وورقها, و توقفت عن العمل برهة ريثما أقرأ هذا العمل لأقف على مدى التزامه بمناهج التحقيق العلمي الرصينة, ومن ثم أتخذ قرارا بترك عملي، أو الاستمرار فيه. و لم يستغرق الأمر كثيرا لأتيقن من أن الأخ الذي تصدى لهذا العمل على الرغم من تحمسه لعمله، و بذله الوسع، و استفراغه الجهد, لم يكن من المؤهلين لمثل هذا العمل, فوقع في أخطاء قاتلة، أتلفت عمله بالكليَّة, و أساء إلى هذا الكتاب من حيث أراد أن يحسن إليه, فأخرج طبعة سقيمة فاقدةً لأبسط قواعد التحقيق العلمي الرصين: لغةً, و ضبطًا, وقراءةً, ومعرفة بالمخطوط, ثم جهلًا بموضوع الكتاب أوقعه في مزالق خطيرة.
ثم قال الدكتور صفحة 1/ 28:و أعود الآن إلى طبعة السيد الكندري لأبيِّن قصورها في محاور رئيسة, و إخفاق من تصدى لها لتحقيق أبسط شروط التحقيق العلمي من غير تعسف أو ظلم فأقول ...
و قد ضرب الدكتور بشار في عشرين صفحة نماذج و أمثلة عديدة تجاوز عددها المائتين سأنقلها في هذا المنتدى المبارك في قابل الأيام بإذن الله في مشاركة جديدة تحت عنوان: ملاحظات الدكتور بشار عواد على طبعة الكندري لتحقيق كتاب ((صلة التكملة لوفيات النقلة)).
و قد ختم الدكتور بشار كلامه بقوله صفحة1/ 45:
((وأرى أن أمسك القلم, ففيما قدمنا كفاية ليدرك ذو الإرب والمعرفة مدى خطورة نشر الكتب على هذه الصورة المزرية المليئة بالتصحيف، والتحريف، والسقط، وسوء القراءة، وعدم القدرة على التعامل مع النصوص, إذ لو شئت الاستطراد لقدمت مئات النظائر، ولا بد لي أن انصح السيد الكندري بالتَّوقف عن نشر أمثال هذه النصوص إلى حين استكمال أدوات العلم, فإن تحقيق التراث أمانة و ديانة، و نشره بهذه الهيئة إساءة إليه، وإذا وجد في نفسه تطلُّعا لمثل هذا الأمر فليعرضه في الأقل على من يحسن هذه الصَّنعة ليراجع عمله، وينبهه على ما فيه من عوارٍ وعوز, كما يفعل طلبة العلم الجادون الحريصون على تراث أمتهم نسأل الله العافية)).انتهى كلامه، وللكلام بقية،،،