تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالإنسان يجب عليه أنْ ينظر إلى نعمة الله منذ أنْ كان لا شيء، ثم خلقه الله تعالى قال جل ذكره وتقدست أسماؤه: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) (الإنسان: 1).

ولْيتذكرْ الإنسان نعمة الله منذ أنْ كان علقة قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَق) (العلق: 1 - 2).

ومن يقرأ القرآن بتدبرٍ ويتتبع النصوص القرآنية حول مراحل خلق الإنسان يجد أنَّ خلق الإنسان مر بمراحلَ مرحلة خلقه من تراب ومرحلة خلقه من طين لازب ومرحلة خلقه من صلصال من حمأٍ مسنون، ومرحلة خلقه من صلصال كالفخار، ومرحلة اشتقاقه من نفسٍ واحدة هي نفس آدم، ومرحلة خلقه من ماء مهين في النطفة، ومرحلة خلقه من علقة، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، مع تتابع أطوار خلقه في بطن أمه خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث (2).

وكان من نعم الله على البشرية أنْ أرسل الله لهم الرسل مبشرين ومنذرين لحاجة الناس إلى الرسالات فالنفوس الأرضية تربة، من شأنها أنْ تنبت الأخلاق الذميمة ما لم تُسقَ بماء الإيمان الطاهر، وتشرق عليه شمس العلم الديني الصحيح وتهب عليها رياح التذكير؛ فأيُّ أرض أمحلت من ذلك الماء، وحجب

عنها شعاع تلك الشمس، وسدت عنها طرق تلك الرياح، كان نباتها كما قالت الملائكة عليهم السلام: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ

الدِّمَاءَ) (البقرة: 30) (3).

وقد ختم الله رسالات الأنبياء بأعظم نبيٍّ وأعظم رسول وشريعته هي التي تصلح لكل زمان، وهذه الشريعة لها رافدان عظيمان: الرافد الأول: كتاب الله العظيم القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، وهو أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، والرافد الثاني: السنة النبوية التي تتضمن أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته صلوات ربي وسلامه عليه. والمستدّلُ بالقرآن لا يحتاج إلى بحث فالقرآن منقولٌ إلينا بالتواتر بالصدور والسطور، وقد تكفل الله بحفظه قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون) (الحجر: 9). أما السنة النبوية فلم تنقل إلينا كما نقل القرآن لكنَّ الله حفظها بنقد العلماء الفهماء النجباء الذين نقوا السنة مما شابها من أعداء الدين وغلط الغالطين وعبث العابثين، ولما كان الله قيظ لهذه السنة من يقوم بحفظها ورعايتها وتنقيتها منذ الصدر الأول وحتى يومِ الناس هذا، وإلى أن يبعث الناس فيوجد في كل زمان ومكان من ينفي عن السنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيف الزائفين، فكانت نعمة من أعظم النعم على هذه الأمة المرحومة أن حفظ الله لها دينها؛ لذلك فنحن حينما نقرأ تاريخ النقد عند علماء المسلمين نجد أن العلم بإعلال الحديث وظهور النقد قد بدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة فالتابعين فأتباع التابعين وهلم جرا حتى يومنا هذا، وهذه الأمة مولاد ستلد في كل زمان جهابذة يقومون بهذا النقد يعلمون الناس الوحي والسنة كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 29) المتأمل في تاريخ النقد يدرك صعوبة الفن وعزة أهله قال الحافظ ابن حجر: ((وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد

والمتون؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا قليل من أهل هذا الشأن، كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني)) (4).

وهذا النص من أظهر النصوص على صعوبة النقد تصحيحاً وتضعيفاً وتقوية وإعلالاً. ولما كان الأمر على ما ذكرت والحال كما وصفت فقد قدّم المحدثون في كل زمان ببذل أقصى ما يستطيعه البشر من أجل تنقية السنة من الكذب والخطأ، وجاءوا بأشياء أذهلوا فيها العدو قبل الصديق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير