تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكتابي هذا " الجامع في العلل والفوائد " (5) تخصصٌ في تخصصٍ دقيق فهو يبحث في علم الحديث روايةً ودرايةً ثم في ذلك العلم يبحث في أغمض قضاياه، قال البيهقي: ((وهذا النوع من معرفة صحيح الحديث من سقيمه لا يعرف بعدالة الرواة وجرحهم، وإنما يعرف بكثرة السماع، ومجالسة أهل العلم بالحديث، ومذاكرتهم والنظر في كتبهم، والوقوف على رواياتهم، حتى إذا شذ منها حديث عرفه)) (6). وقبل هذا كله فإنَّ هذا العلم من علوم

الآخرة؛ لا يصح العمل به إلا بعد النية الصادقة والمراقبة التامة.

وليعلم أن العمل بهذا الفن عموماً وخدمة علم العلل خصوصاً داخل في النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن رجب الحنبلي: ((ومن ذلك بيان ما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومالم يصح منه بتبين حال رواته ومن تقبل رواياته ومن لا تقبل، وبيان غلط من غلط من ثقاتهم الذين تقبل رواياتهم)) (7) وكلام ابن رجب كلام عظيم ومن قرأه متأملاً كلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رقية تميم الداري مرفوعاً ((الدين النصيحة)) (8) علم أن واجباً على كل مسلم تجاه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأن خدمتها واجبة وشرحها وتبليغها للناس أمرٌ مأمور به

كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((بلغوا عني ولو آية)) ومن أدق النصح لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان العلل التي تخفى على أغلب الناس بله على كثير من العلماء المختصين؛ إذ إننا في زمن الغربة في هذا الفن العظيم.

من هنا شققت لنفسي طريقاً لتكون لي يداً بيضاء ولمسةً طيبةً في خدمة هذا الفن الذي هو من أغمض فنون العلم، وقد مرت عليَّ في هذا الكتاب أيام وساعات عصيبة عانيت ما عانيت فيها في ظل احتلال مقيت وعمالة عمياء، وانفتاح للغرب وسكر للشهوات وحسد حاسد وتسلط كاسد وزمجرة مقلد لكنَّ الله بفضله ومنّه وكرمه قد دفع عني كل شر ونجاني من كل مكر؛ فأحمده حمداً عظيماً مباركاً دائماً أبداً بعدد ما خلق وذرأ وبرأ ونشر وبعدد أنفاس الخلق وحركاتهم، وأسأل الله أنْ يوزعني ويوفقني لأداء شكر نعمته على الوجه الذي يجب.

ومعاناة الاحتلال والوضع المحيط لم يضرني بقدر ما ضرني شحة المصادر وتأخر وصول الكتب المحققة الحديثة لبلدنا الجريح؛ لا سيما وأن كثيراً من كتب السنة التي بين أيدينا فيها من التصحيف والتحريف والسقط ما الله وحده عليم، وهذا أكبر أمر ضرني في هذا الكتاب لسنوات، ولربما حكمت على حديث على ضوء إسناد فلما راجعت المخطوطات والطبعات الحديثة؛ وجدت أنَّ تلك الأسانيد التي تم الاعتماد عليها بالترجيح كانت مصحفةً أو محرفةً، وقد ذكرت من ذلك أمثلة في ثنايا الكتاب، وأنا إذ أذكر هذا فلا أغفل قول الجاحظ: ((ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفاً أو كلمة ساقطة فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام)) (9) فالتصحيفات الموجودة والتحريفات الكثيرة في الرواة والأسانيد لكثيرٍ من كتب السنة أخذت مني شطر الوقت، ولما كنت أعد فهارس متنوعة لكل كتاب من كتبي زدت في هذا الكتاب فهرساً للتصحيفات والتحريفات الواردة في الكتب؛ ليكون دليلاً على تصحيح نسخ الآخرين من تلك الكتب، وهو جزء من النصيحة، والله المستعان.

وهذا العمل لما كان في نقد أخطاء الرجال فقد نقدنا هذه الأخطاء، وبينا تلكم الهنات، وقد جرنا ذلك بالضرورة إلى بيان أخطاء كثير من الكتب وأخطاء كثير من المؤلفين، وهو أمرٌ أدت الضرورة إليه، ومعلومٌ أنَّ كلمة الحق لا تبقي لصاحب صاحباً وتدخلك مع من لست تعرف في صحبة ودٍّ لذلك قال ابن قتيبة: ((ولعل بعض من ينظر فيما سطَّرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمَّنَّاه، يلحق سيءَ الظن بنا، ويرى أنَّا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا وأنى يكون ذلك؟! وبهم ذُكرنا وبشُعاع ضيائهم تبصرنا وباقتفاء واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم على الهمج تحيزنا، وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو بن

العلاء ... قال: ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أصول نخل طوالٍ. ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاماً، ونصب لكل قومٍ إماماً، لزم المهتدين بمبين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير