وما تحلقت جموع حول امرئ إجلالا له وانقيادا كما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم ولو اراد مع هذا أن يكون في منعة الملوك وجاه الأثرياء لم يحل دونه وذلك شيء عن أنس رضي الله عنه: «ما كان شخص أحبَّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك»
روى قيس بن أبي حازم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قام بين يديه استقبلته رِعْدة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هَوِّن عَلَيْكَ، فَإنِّي لَسْتُ مَلِكَاً، إنَّمَا أنَا ابْنُ امْرَأَةٍ منْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ القَدِيْدَ
عرض عليه ربه ان يحييه ملكا رسولا وتصير له الجبال ذهبا فآثر أن يحيا عبدا يمشي تارة ويركب اخرى يجوع يوما ويشبع تاليا» قال الله صلى الله عليه وسلم «عَرضَ عَلَيَّ رَبِّي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَباً،:فقلت لا يا ربِّ، ول?كِنْ أجُوعُ يَوْماً وأشْبَعُ يَوْماً. فَإذا شَبِعْتُ حَمَدْتُكَ وشَكَرْتُكَ، وإذا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إليكَ ودَعَوْتُكَ)
لا ينظر صلى الله عليه وسلم إلى تكلف المتكلفين بقدر ما ينظر ويعتبر إنزال الفرحة والغبطة بقلوب المساكين
عن ابن أبي أَوْفَى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنفُ ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمكسين فيقضي له حاجته
وعن أنس رضي الله عنه، أن امرأة كانت في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة.
قال: «يَا أُمَّ فُلانٍ، خُذِي في أيِّ طَرِيْقٍ شِئْتِ قُومِي فيه حتَّى أَقُوْمَ مَعَكِ».
فخلا معها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يناجيها حتى قضت حاجتها.
وعنه رضي قال: «إن كانت الوليدةُ من ولائد المدينة تجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يَنْزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت».
»
وكا يقول " «لَوْ دُعِيْتُ إلَى كِرَاعٍ لأجَبْتُ، ولو أُهْدِيَ إليَّ ذِرَاعٌ لقَبِلْتُ»
فأين أصحاب المقامات والاعتبارات.
تواضع في طبعه وطبيعته في مدخله ومخرجه ملبسه ومشربه وفي شانه كله
عن قَيْلة بنت مَخْرمة: أنها رأت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشعَ في الجلسة أُرعدْتُ من الفَرَق
».قيل لعائشة رضي الله عنها: ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَراً من البشر، يفلّي ثوبه، ويحلب شاته ويخدم نفسه». وفي رواية: يصنع في بيته كما يصنع أحدكم في بيته، يَخْصف النعلَ ويرقع الثوبَ
ممازحته أصحابه
ومن اروع ضروب تواضعه صلى الله عليه وسلم ما كان يحبوه أهله وأصحابه من ملاطفة وممازحة تهش لها القلوب وتطرب لها الاذان فكان لهم اخا وابا وسيدا ورسولا
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدْلَعُ لسانَه للحسن بن علي رضي الله عنهما، فيرى الصبيُّ حُمْرةَ لسانه فيهشُّ إليه».
والمتأمل لمواقفه معهم يقف جليا على روعة المجتمع الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه حتى لكانما يقف على ضرب من الخيال أو شيء من المحال فانظر وتأمل واستغن عن أي تدقيق أو تعليق، فهلا تأسى به العلماء والأمراء والرؤساء والوجهاء
عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقبل أعرابيٌّ على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي الله، وحمزةُ بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم النُّعَيْمَان، فقال لِنُعَيمان: ويحك إن ناقته سمينة، فلو نحرتها فإنا قد قَرِمْنا إلى اللحم، ولو فعلت غَرَّمْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأكلْنا لحماً. فقال: إني لو فعلت ذلك وأخبرتموه وجَد عليَّ.
قالوا: لا نفعل.
فقال: يا مقداد، غيِّبني في هذه الحفرة وأطْبق عليَّ شيئاً، ولا تدلَّ عليّ أحداً، فإني قد أحدَثْت حدَثاً. ففعل.
فلما رأى الأعرابي ناقته قد نُحرت صرخ، فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال: «مَنْ فَعَلَ هذا؟».
قالوا: نعيمان.
قال: «فأَيْنَ تَوَجَّه؟».
قالوا: ها هنا.
فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حمزة وأصحابه، حتى أتى على المقداد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ رَأَيْتَ نُعَيْمَان؟» فصمت، قال: «لَتُخْبِرَنِّي أيْنَ هو».
¥