وفي بلدة خنشلة لسانان من ألسنة فلول الطرائق وخزائن الأخبار المحرفة والأقاويل المضطربة- وقد حدثت عن هذين الأخوين في النسب والجهل بما يأتيان به من تنفير الناس من دعوة المصلحين والتقول عليهم بما يذكر بالقصص الإسرائيلي، فحاولت أن أجتمع بهما اجتماعا يمكنني من مفاوضتهما فجمع الله بيننا أمام قهوة عربية فجاذبتهما الحديث في شؤون، منها إعطاء العهود الموجودة بيننا من رؤساء الطرائق وتحديد الأذكار للأمة على هذا الوجه بدعة لا يعرفها السلف ولا يقبلها الشرع فزعما أن هذه العهود وما لف لفها قد نقلت عن الحسن البصري، فأجبتهما بأن من نقل هذا عنه أراه قد كذب عليه.
ومسألة كمسألة العهود وتحديد الأذكار ووضع الطرائق للأمم ليس بسر من الأسرار حتى يمتاز بها الحسن، ومحال أن يفعل شيئا لم يتلقه عمن قبله ولو فعله من قبله- والمسألة لها خطرها- لنقلت شائعة ذائعة كما هي الآن وهذه الكتب الصحاح التي غيرت رجالها وفحصت أخبارها لا يوجد فيها ما يصلح أن يكون دليلا أو شبه دليل.
فلما سدت في وجوههما مناهج التضليل انقلبا إلى السباب والفضاضة والفحش والإذاية، فأعرضت عنهما ومررت بكلامهما مر الكرام ووعدت الحاضرين بالكتابة في بدعة الطرائق في الإسلام وها أنا موفي بوعدي مقدم لأمتي ما أراه مناسبا للإذاعة في مجلة دينية ضيقة لها من الأعمال ما لو أصبحت يومية ما وسعتها، وأنا أعلم أن فريقا آخر من دخلاء العلم سيتلقون كلامي هذا ساخطين عليه مزورين عنه وأن فريقا آخر من حملة الهداية الصحيحة سيلقونه راضين عنه.
وأنا على غضب أولئك وبرد هؤلاء سوف أذيع ما أراه حقا لا إجابة لهوى كمين في النفس ولا قضاء لشهوة من الشهوات ولا رغبة في الانتقام من فريق ولا حبا في تخطئة أناس أمر الله أن نقول في حقنا وحقهم:) رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ (()، وإنما الذين يأمرنا أن ندفع عنه ما ليس منه والرجوع إلى حق تبين، أحسن من متابعة أناس في أمر تبين خطوه. وقبل الشروع في المقصود ندلي بمقدمة نجعلها تمهيدا لما إليه قصدنا وعلى الله- المنفرد بالتشريع على لسان خير شفيع- اتكالي وهو حسبي ونعم الوكيل.
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[24 - 11 - 06, 02:22 م]ـ
التمهيد
الأدلة التي تثبت بها الأحكام والأخلاق الدينية الكتاب إجماعا والسنة الصحيحة كذلك، والسنة أقواله وأفعاله وإقراره وشمائله، صلى الله عليه وسلم، والإجماع بشروطه ومنها () أن يكون له مستند والقياس بشروطه ومنها () أن يكون حكم الأصل المقيس عليه منصوصا ومنها أن لا يكون الفرع معارضا بنص.
إذا تقرر هذا جزمت بأن العمدة في دين الله الكتاب والسنة ليس غير. أما الإجماع فقد عاد إليهما () باشتراط المستند، غايته رفع الاحتمالات والأنظار عن دليله. وأما القياس فلا يصار إليه إلا عند الضرورة وهي عدم النص من كتاب أو سنة فإن وجد النص منهما أو من أحدهما كان القياس فاسد الاعتبار. وإذا تم القياس فقد قال القائلون به إنه يتضمن دليل المقيس عليه المنصوص بالكتاب أو السنة اللذين هما مصداق قوله تعالى:) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (()، وهي من آخر ما أنزل من القرآن ().
ومما لا نزاع فيه عند أهل السنة أن العقل أو العادة أو الشهوة لا حكم لها في دين الله المعصوم، وإنما العقل آلة خلقها الله ندرك بها ولا حجة بحكمه إلا في أصول الدين (الاعتقادات). ومن المقرر: إن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدعيا فالدليل، وأن غير المعصوم محكوم بهذه القاعدة بلغت ما بلغت مكانته أو علمه أو إصلاحه.
ومن المدون في علمي العقائد والسنن أن رد النصوص استهزاء بها أو إيثارا لغيرها عليها كفر، ومن المذكور في علمي الفروع والخلافيات أن ترك السنن وتقليد الرجال بدعة وضلالة. ومن المدون أيضا أن السلف في القرون الثلاثة كانوا يقتدون بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن المذاهب الإسلامية المعتبرة كانوا يتبعون الوارد وخلافهم في مسائلهم تابع لما بأيديهم من السنن والآثار، وإذا ثبت الحديث فهو مذهب الجميع. وأنه لا يعلم إمام يعرض عن سنة تبينت اتكالا على أن صالحا أو عالما خالفها، فإن أقل ما يقتضي ذلك الفسوق. جعلنا الله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
وبما أن حزب () الإصلاح الديني ليست له غاية شخصية ينشدها ويترامى من ورائها وإنما غايته وهمه في هذه الحياة؛ المحافظة على الدين محافظة ترضي صاحب هذه المهة وتحذو حذو السلف الصالح، فإني أقبل كل من يبين لي فساد ما ذهب إليه وأغده أخا لي ناصحا وأذكره بقول من قال: ((رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا)) () على شريطة أن يرد علي من جنس الأدلة التي تعتمد ولا يفعل كما فعل بعض المروجين للبضاعة من الاستدلال بأقاويل الرجال، فإن من رام الاعتماد على غلطات الرجال لم يعدم دليلا لأي شنعة. وإنما الأدلة التي أخضع إليها وأهتدي بها هي التي تأتي من عصور الحجة، وإذا جاءني بكلام لا يعرف له وجها عند أرباب الصناعة بالأخبار والآثار فإني أعد كلامه ساقطا عن أمم () لا يحتاج إلى الرد. وبعون الله سأجعل كل لحمة من لحم الطرائق التي اشتهرت وذاعت بيننا منفردة ببحث وأقيسها بعصر السلف فإن وجد لها أصل بينهم قبلناها وعملنا بها وعززناها وما لم نجد له أصلا في أيامهم ولا عرفا فيما بينهم اعتقدنا أنها بدعة محدثة مشمولة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) () فلترد. ومن نصرها كان له من الوزر مثل أوزار من أحدثها، وكان في أمره متبعا غير سبيل المؤمنين وآخذا بغير هدي محمد صلى الله عليه وسلم وليس بعد هدي محمد صلى الله عليه وسلم إلا الضلال.
¥