تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ضوابط في تقييم الدعاة والمفكرين]

ـ[محمد السعيدي]ــــــــ[10 - 11 - 06, 06:54 م]ـ

[ضوابط في تقييم الدعاة والمفكرين]

محبتنا للدعاة والمفكرين الإسلاميين من محبة الإسلام والحمية له, والدفاع عنهم من النصرة لدين الله والغضب له هكذا أعتقد , لكن هذه المحبة والحمية والدفاع ينبغي أن تكون مضبوطة بضوابط الشريعة إذ المحبة في الله عبادة ولا ينبغي أن يعبد الله تعالى إلا كما شرع.

فمن الضوابط التي ينبغي مراعاتها في هذه المحبة: إعطاء هذا الداعية أو المفكر حجمه الحقيقي فلا نضفي عليه من الأوصاف ما لا يستحق كما لا نضعه في مواقف لا يحسن التعامل معها فإذا كان واعظا أو سياسيا لا يوقف في مواقف الفقهاء والمحدثين , وكذلك الأمر فيما لو كان فقيها أو محدثا لا نوقفه في مواقف المفكرين والسياسيين.

نعم قد يكون الفقيه أو السياسي متعدد المواهب ولديه ملكات مختلفة , وهنا لا بأس أن نتعامل معه على قدر ما آتاه الله تعالى , لكن لا يحكم له بالبراعة في توجه معين حتى يشهد له من أهل ذلك الاختصاص بأنه كفؤ لهم فيه , لأنهم أعرف الناس بمواضع القوة والضعف في اختصاصاتهم , وتجاوزهم في ذلك والحكم على الشخص بقدر إبهاره لنا , لا بمقدار ما يحكم له أهل الاختصاص من الصواب في أحكامه وتحليلاته , هو من إسناد الأمر إلى عير أهله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

وإذا ثبت أن هذا الرجل أهل للأخذ عنه فيما يتحدث فيه , فينبغي أن لا نضفي على آرائه ولو كانت في مجاله صفة القطعية التي تمنعنا من الاستماع إلى سواه من أهل الاختصاص , فإن التسليم بقطعية حكم ما إساءة رباعية الأبعاد , ويمكن للقارئ تأمل أبعادها بتصور قضية اتخذنا فيها حكما قطعيا لزمن ثم اضطررنا بضغط من قوة الحق أن نسلم بخطأ ذلك الحكم الذي كان قبل أيام قطعيا لا يجوز المساس به ولم تكن حرمته لقوة دليله بقدر ما كانت لقدسية الآخذين به في أذهاننا.

وهذا المنهج الذي أعبر عنه هو ما تعلمناه من سلفنا الصالح حيث تواتر عنهم قولهم: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وينبني على عدم إسباغ القطعية على آراء هذا الرجل: أن نتعامل مع خصومه بالعدل الذي أمرنا به الله تعالى في قوله: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ومن العدل أن نرد على أفكارهم دون أن نتجاوزها إلى وصفهم أحيانا بالعلمانية والليبرالية وبالإخوانية والسرورية والجامية أحيانا أخرى فمحل الخلاف هو الفكرة التي نناقشها معه أما مرجعيته فليس لنا بها شأن إلا في حال أن يستند إليها في استدلاله على ما يذهب إليه أما فيما سوى ذلك فإنني أرى أن وصف الخصم بمثل هذه الأوصاف هو من العجز في النقاش وله من السلبيات أن هذا المخاطب إن كان علمانيا أو ليبراليا أو إخوانيا أو جاميا حقا فهو لا يرى وصفنا إياه بذلك من الذم والتقريع بل يراه من بالغ الثناء عليه وإن كان لا يتبنى هذا المنهج فقد بهتناه بهتانا لا يتناسب مع ما ندعيه من توجه ديني ونخشى أن ينطبق علينا إذ ذاك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للمنافق بأنه: إذا خاصم فجر.

وينبغي أن لا تغيب عنا الخلفية الفكرية لهذا الداعية أو المفكر , فقد يكون في أطواره الأولى ماركسيا أو علمانيا أو نصرانيا أو يهوديا أو مبتدعا ثم تبنى التوجه الإسلامي.

ولقائل أن يقول: ولم ذلك أليس الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها؟

فيقال: نعم: التوبة تجب ما قبلها عند الله تعالى , وحين نتعامل مع هذا التائب في أحكام الشريعة المتعلقة بالدنيا , أما حين يقدم لنا هذا التائب نفسه كمفكر وداعية فلا ينبغي أن نغفل في تقييم أفكاره خلفيته الفكرية , فقد ثبت بالتجربة أنه من النادر أن ينفك أحد عن خلفيته الفكرية انفكاكا تاما ولا بد أن تجد لذلك التاريخ الشخصي أثره على طريقة هذا الرجل في التفكير أو فهم النصوص أو الحكم على الناس أو الأفكار الأخرى.

فمن الصعب علي أن أتصور أن رجلا ذا خلفية ماركسية أو مسيحية يصبح فجأة أو بالتدرج أكثر سلفية ممن رضعوا السلفية من أثداء أمهاتهم.

بل إن أثر تلك الخلفية قد لا يكون في جانب التأثر بل في أخذه الجهة المقابلة لأفكاره القديمة كنوع من ردة الفعل , وليس بالضرورة أن تكون الجهة المقابلة هي الفكرة الحقة التي ينبغي علينا تبنيها.

كما أن من ثبت في تاريخه الفكري كثرة تنقله بين التوجهات المتناقضة يوجب علينا وضع علامة استفهام حول دواعي هذا الانتقال فهو إما أن يكون متسلقا يتبع المنهج المنتصر صاحب الغلبة على الساحة ليكون أكثر جماهيرية أو يكون مضطربا فكريا لا يملك ما يسمى بالولاء الفكري أو يكون مهتديا حقا , ووقوعنا في تقييمه بين هذه الخيارات الثلاث يحتم علينا التريث قبل أن نتبنى أفكاره أو نتبناه هو كمفكر إسلامي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير