463هـ). و لقد تحدث الخطيب في تاريخه عن الوراقين و مع ذلك لم يذكر النديم و لا كتابه، و أما من عرفناهم ممن ترجموا للنديم يفصل بينهم و بين النديم قرنان من الزمان تقريبا و حتى هؤلاء ترجموا له ترجمة موجزة جدا و لعل سبب ذلك أن النديم كان مغمورا لا يكاد يعرفه أحد بل ربما لم يعرف كتابه هذا في حال حياته بل لعله أخفاه ولم يعرف إلا بعد وفاته و الله أعلم.
آراء النقاد و المؤرخين في النديم
على الرغم من أنه لم يصلنا عن النديم الكثير إلا أن الحديث على النديم يختلف باختلاف الناقد و طبيعته فالتراثيون و الأدباء و الباحثون يصفون النديم من خلال كتابه " الفهرست " على أنه أجمع كتاب لإحصاء الكتب المؤلفة حتى أواخر القرن الرابع الهجري و قالوا إن هذا العمل يتطلب إلماما واسعا و سعة اطلاع. بل بالغ البعض فقال: سيظل عمله هذا خير شهادة على أنه كان واسع المعرفة محيطا بعلوم عصره (). و مع أننا لا ننكر جهد النديم و إلمامه إلا أنه قد فاته الكثير لم يذكره كما أن صنيعه في الفهرست يستطيعه من كان وراقا كاتبا لديه معرفة بالكتب و مؤلفيها و لا يلزم أن يكون عالما.
و هذه وجهة نظر المعنيين بالتراث و دراسته أما عن كلام أهل الحديث و علماء الجرح و التعديل فلهم رأى آخر فالحافظ ابن حجر في لسان الميزان يقول عنه: وهو غير موثوق به ومصنفه المذكور ينادي على من صنفه بالاعتزال والزيغ نسأل الله السلامة وقد ذكر له الذهبي ترجمة في تاريخ الإسلام فيمن لم يعرف له وحده على رأس الأربع مائة فقال: محمد بن إسحاق بن النديم أبو الفرج الإخباري الأديب الشيعي المعتزلي .... ولما طالعت كتابه ظهر لي انه رافضي معتزلي فإنه يسمي أهل السنة الحشوية، ويسمى الأشاعرة المجبرة، ويسمي كل من لم يكن شيعيا عاميا وذكر في ترجمة الشافعي شيئا مختلقا ظاهر الإفتراء فمما في كتابه من الإفتراء ومن عجائبه انه وثق عبد المنعم بن إدريس والواقدي وإسحاق بن بشير وغيرهم من الكذابين وتكلم في محمد بن إسحاق وأبي إسحاق الفزاري وغيرهما من الثقات (). و قال عنه ابن النجار: لا أعلم لأحد عنه رواية () و كذلك قال المقريزي: لم يرو عنه أحد. و قولهم "لم يرو عنه أحد " تعني عند علماء الجرح و التعديل بجهالة العين و مجهول العين عند أهل الحديث روايته شديدة الضعف.
و تكمن أهمية نقد العلماء للنديم من ناحية الرواية من ناحيتين:
الأولي: أن النديم يذكر لنا أسماء مصنفات رآها أو سمع عنها أو نقلها من فهارس أعدها غيره و قبول كلام النديم علي إطلاقه يخضع لقواعد الجرح و التعديل فينبغي أن يتوفر فيه و في من ينقل عنه العدالة و الضبط.
الثاني: أن كتاب النديم ليس كتابا بيلوغرافيا صرفا بل أكثر فيه من التراجم للمؤلفين و لا تخلو تراجمه من الأغلاط الفاحشة و الطعن في العدول و تعديل المجروحين. فينبغي لمن ينقل من هذا الكتاب أن يتبصر بحال مؤلفه.
و ليس المراد من التفصيل في هذا الأمر هو رد الكتاب و ما فيه بالجملة بل المراد هو لفت الانتباه لمواطن التعصب و الوهم في الكتاب.
شيوخه ممن روى عنهم
ذكر المقريزي في ترجمته القصيرة للنديم بعض من روى النديم عنهم و منهم:
?أبو سعيد السيرافي: و هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان اللغوي النحوي تفقه لأبي حنيفة و ولي القضاء ثم سكن بغداد و كان لا يأكل إلا من عمل يديه ينسخ قبل أن يجلس للقضاء و الاشتغال كراسا بعشرة دراهم يتقوت بها و كان حسن الخط و اتهم بالاعتزال لكنه لم يظهره توفي سنة 367 هـ. و كان أبوحيان التوحيدي يبالغ في تعظيمه و الثناء عليه في العلوم. ()
?أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني: صاحب كتاب الأغاني نشأ ببغداد و استوطن بها. و قد اختلف فيه اختلافا كبيرا فهناك من يراه حافظا واسع الرواية حسن التصنيف من أعيان أدباء بغداد و أشاد بذلك غير واحد و منهم ياقوت الحموي في معجم الأدباء و كذلك ابن خلكان في وفيات الأعيان و النديم نفسه كما في الفهرست. لكن أصحاب الحديث كان لهم رأي آخر فنسبه ابن الجوزي إلي التشيع و قال إن مثله لا يوثق به لما صرح به في كتبه من فسق و شرب للخمر و غير ذلك و قال من تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح و منكر. و قال الذهبي: رأيت شيخنا بن تيمية يضعفه و يتهمه في نقله و يستهول ما يقوله. توفي سنة 356هـ. ()
¥