[هل أصبحت القراءة للإسلاميين فقط؟!]
ـ[أبو عبد الأعلى]ــــــــ[06 - 02 - 09, 07:40 م]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فمن الظواهر التي باتت واضحةً وضوحَ الشمس في كبد السماء سيطرةُ الجانب الإسلامي على الحصة الأكبر من كل الأنشطة المتعلقة بعالم الكتب، فمع وجود دُور النشر الإسلامية المتخصصة في الكتاب الإسلامي فقط، ومع وجود مَعَارض الكُتب الإسلامية، إلا أن الكتاب الإسلامي يحتل أكثر من نصف إنتاج دور النشر العامة، وأجنحة الكتاب الإسلامي تمثل أبرز الأجنحة في معارض الكتاب العامة، ومنها معرض القاهرة للكتاب، والذي يتوهم الزائر له لأول مرة أن عنوانه قد أصابه خطأٌ مطبعيٌ بإسقاط كلمة (الإسلامي) منه من شدة سيطرة المظاهر الإسلامية على المعرض.
ومع محاولة فلول اليساريين أن يجعلوا من معرض القاهرة مرثية يسارية يستعيدون فيها شيئاً من عرشهم الضائع، يساعدهم في ذلك الإعلامُ الذي يغطي أنشطتهم، وهو في واقع الأمر يغطي على خيبة أملهم في أن يفكر أحدٌ مرة ثانية في القراءة في متحف كتب الاشتراكية.
وعلى الرغم من محاولاتهم المستميتة إدخالَ كتبِ التراث إلى المتحف بدعوى عدم مناسبتها للعصر أو بدعوى أنها ذات أوراق صفراء؛ إذا بالمطابع التي في القاهرة والرياض، وبل وفي بيروت -حيث يسيطر النصارى على سوق المطابع-، وبدافع من وجود القوى الشرائية؛ يضخون في كل عام من أمهات كتب التراث في حُلَّةٍ جديدة، وتجليدٍ فاخر، وفهرسة حاسوبية، حتى إن الأشخاص المغرمين باقتناء الكتب الصفراء صاروا يعانون من ندرتها حتى في معرض ضخم كمعرض الكتاب!!
وبينما يضطر المفكِّر اليساري -مهما كانت شهرته في عالم الثقافة اليسارية- إلى وضع لافتة زرقاء يكتب عليها اسمه، وربما ضم إليها وردة حمراء حتى يعرفه جمهوره -إن وجدوا-؛ تجد كثيراً من الدعاة صار يجد صعوبة بالغة في تفقُّدِ المعرض من الزحام الذي يكون حول الدعاة!!
الظاهرة لها -بالطبع- ما يفسرها، وهو أن الجيل الجديد هو جيل (ما بعد مدرسة المشاغبين)، وهو جيل (المشاغبين) من دون مدرسة.
فإذا كانت مدرسة المشاغبين قد قدمت نموذجاً للطالب الذي يشاغب أستاذَه، وصار هذا النمط هو الأكثر شيوعاً في مدارسنا؛ فإن الفضائيات اختصرت الطريق بالجيل الجديد إلى الشارع والمَرْقَص، وإلى المقهى -على أحسن الأحوال-، ومن هناك يمكن أن يتثقَّفَ بعضُ هؤلاء على الوجبة الثقافية المسمومة التي تدس بين طَيَّات (الفيديو كليب)، و (ستار أكاديمي) وأخواتِه، ومن ثم يحصل هؤلاء على ثقافة مسمومة دون قراءة ولا كتب، بينما ينشغل معظمهم في الفترات البينية بين (الكليبات) بـ (الطاولة) وأخواتها.
إذاً فنحن إمام جيل المشاغبين الذي تخلصت منه المدارس، ولكنها في ذات الوقت تخلصت من المدرسين الذين أنهكتهم الحرب الضَّروس مع جيل مدرسة المشاغبين، فقرروا نقل نشاطهم إلى "الدروس"، حيث يأتي الطالب الراغب فقط، بالإضافة إلى العائد المادي الجيد، وأصبحت بعض مراكز مجموعات التقوية بمثابة مدارس موازية عدداً وعدة، وهؤلاء وإن سدوا الفراغ التي تركته المدرسة في جانب المنهج المقرر، إلا أنهم بطبيعة الحال ليس لديهم الرغبة ولا القدرة في سد جوانب الاطلاع خارج المنهج، بالإضافة إلى أن جُلَّ هذه المراكز تعادي "الكتاب" من حيث المبدأ، وتستعيض عنه بما يسمى بالمذكرة، والتي تختلف عن الكتاب في الشكل؛ حيث إنها معدة للاستخدام مرة واحدة مثل الكوب البلاستيكي تمامًا، بل يُخيَّلُ إليك أحياناً أنها من حيث الشكل ملائمة لمرحلة ما بعد الامتحان -عندما تستخدم في لف المشتريات في محال البقالة-، أكثر منها لمرحلة ما قبل الامتحان؛ حيث يفترض أنها معدة للقراءة والمذاكرة.
فلم يبق على الساحة أحد يعتمد على الكتاب كوسيلة معرفة غير الإسلاميين الذين يعتبرون الكتابة هي الوسيلة المفضلة للتعبير عن منهجهم، على الرغم من وجود وسائل أُخَر، بينما تتعين هذه الوسيلة فيما يتعلق بالاستفادة من علوم السلف، ومن ثم ظل الإقبال على الكتاب كبيراً في صفوف الإسلاميين، وفي صفوف الجمهور الراغب في المعرفة الإسلامية عموماً.
¥