تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد كان من أكبر الأخطار التي واجهتنا دون إرادة حرة، هي محاولتنا فهم كثير من الأمور من خلال مناهج الغرب ومقاييسه، هذه المناهج والمقاييس التي كونها الغرب من خلال ظروفه الاجتماعية وتحدياته التاريخية وتركيبه النفسي والاجتماعي.

إن هناك حقيقة لا سبيل تجاوزها أو إنكارها هو أن في العالمن ثقافتين: إسلامية وغير إسلامية ولا يمكن أن يلتقيا في إطار واحد، يخطئ البعض حين يظن أن "التغريب" هو حمل المسلمين والعرب على قبول ذهنية الغرب، وإنما الحقيقة أن التغريب هو محاولة خلق (دائرة فكر) تهدم إرادة المسلمين والعرب وتنتقص فكرهم وتشيع فيه الشبهات والمثالب، ثم لا تدفعهم إلى أي جانب من جوانب البناء أو النهضة مستمدة من أي فكر آخر.

ومن شأن دائرة هذا الفكر اللقيط، أن تحول بين المسلمين وبين أي حركة أو نهضة، وإنما تمسكهم ليدوروا في هذه الدائرة المغلقة، حتى ينتهوا، وتجعلهم يفكرون من داخل دائرة مادية خالصة، معزولة تماماً عن العقيدة الإيجابية المتكاملة التي علمهم إياها الإسلام وهداهم إليها منهاجاً للحياة قادراً على التقدم من ناحية وعلى مقاومة الغزو من ناحية أخرى.

وهم منذ ركنوا إلى هذه الدائرة الصماء فقدوا كل قدرة على الحركة الأصيلة، ذلك أن تركيب الفكر التغريبي الوافد، إنما استخدم أعظم ما استخدم تضارب المذاهب الغريبة وصراعها وأحيا في نفس الوقت كل ما أنشأته الشعوبية والزندقة والباطنية في الفكر العربي الإسلامي من مفاهيم وشخصيات، لتقيم من هذا كله تلك الدائرة التي تقتل النفس العربية قتلاً وتحول بينها وبين الحياة والحركة والبنالء والتقدم جميعاً في الذل والظلام والدوار حول وهم معلق وشبح كاذب.

ونحن نعرف أن شخصيتنا تستمد قوتها من قيمنا، فإذا انحرفنا عن هذه القيم فقدنا الطريق، وتهنا في البيداء وذلك هو ما قصد إليه التغريب واستطاع أن يحققه إلى حد كبير، ولعل أبرز محاولات التغريب هي الحيلولة دون قيام خط التقاء بينل العناصر والشعوب التي يجمعها فكر واحد في الأصل مصدره القرآن واللغة العربية ومنهج محمد بن عبد الله، وذلك عن طريق استهلاكها في الإقليميات والأمميات والمفاهيم التي تفصل القيم وتمزق العناصر التي وحدها الإسلام في كل متكامل جامع.

فإذا أضفنا إلى هذا محاولة هدم المجتمع وتقويضه بنشر الإباحية عن طريق القصة، وفلسفات الوجودية والهيبية وغيرها عرفنا إلى أي مدى تجرى المحاولة الخطيرة.

بل إن ما ألقي إلى العرب والمسلمين من مفاهيم الحرية والتقدم والديمقراطية والعدل الاجتماعي وغيره، إنما كان في الأصل هو "عطاء" الإسلام للبشرية كلها وللحضارة أساساً، قد أعيد إليها وقد شابه اضطراب كبير وإن غلف بأغلفة براقة لامعة.

ولعل أخطر محاولات التغريب إنما ركزت على تفريغ العقل والقلب العربي الإسلامي من القيم الأساسية المستمدة من التوحيد والأخلاق والإيمان بالله، ودفع هذه القلوب والعقول عارية أمام عاصفة هوجاء تحمل معها السموم والجراثيم عن طريق التعليم والصحافة والكتاب والمسرحية والفيلم والأزياء والملابس.

ومن ثم خرجت هذه المؤسسات جميعاً ذلك الجيل الذي حمل دعوة لالهدم وسار بها تحت اسم التقدم والحضارة وعمد إلى متابعة المستشرقين والمبشرين في تحريف التاريخ الإسلامي وتشويه مبادئ الإسلام وثقافته وانتقاص الدور الذي لعبه في تاريخ العالم، مع خلق شعور بالنقص في نفوس المسلمين.

وفي عشرات المجالات والقضايا عمل "التغريب": في مجالات التفرقة بين الإسلام والعروبة، وفي النظرة الجزئية، والفصل بين الدين والمجتمع، واللغة والتاريخ، وعن طريق إحياء الروابط القديمة التي أبادها الإسلام وقضى عليها نهائياً.

ثم عمد إلى خلق شبح كريه أسماه القديم والماضي والتاريخ مع أمة واحدة من أمم الشرق والغرب لا تستطيع أن تدعي أنها انفصلت في أي نهضة عن ماضيها وتاريخها.

وأكبر الدعاوي الباطلة التي يثيرها التغريب هي عالمية الثقافة، والحضارة البشرية، ووحدة الفكر البشري وكلها دعوات لها دواخلها وغاياتها المريبة، التي تتمثل في مفهوم واضح هو "تذويب" الفكر العربي الإسلامي و "احتوائه" وصهره في بوتقة الأقوياء المسيطرين أصحاب النفوذ العالمي السياسي المسيطر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير