تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن ما سبب هذا الوهم؟

فأقول وبالله التوفيق: سبب الوهم والعلم عند الله هو ما يلي:

السبب الأول:

مقالة لابن حجر فهمت على غير وجهها:

يقول ابن حجر في ترجمة ابن رجب:

"ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية، ثم أظهر الرجوع عن ذلك، فنافره التيميون، فلم يكن مع هؤلاء، ولا مع هؤلاء." ()

قلت:

فحُسِب أن من جملة إفتائه بمقالات ابن تيمية التي رجع عنها هو اعتباره لقوله في الطلاق؛ لأنه من أشهر أقوال ابن تيمية رحمه الله، فانقداح هذه المسألة في الذهن قريب.

وظاهرٌ أن هذا ليس بلازم، فيمكن أن يكون ابن رجب معتبراً جملة كثيرة من مقالات ابن تيمية ليس منها مسألة الطلاق، بل يمكن القول: ليس منها جملة ما اعتبر من شذوذات ابن تيمية لموقف ابن رجب الصارم والصريح في هذا الباب سواء كان في الشذوذ عموماً، أو في ما اعتبر من شذوذات ابن تيمية، رحم الله الجميع.

على أن اعتبار رجوعه عن مقالات ابن تيمية بينٌ للغاية أنه ليس على إطلاقه.

ولم أقف على مسألة واحدة قال بها ابن رجب رحمه الله مما يحسب أنها من الشذوذ، بما يخالف قول عامة أهل العلم، حاشا مسألة قضاء تارك الصلاة عامداً فقد انتصر للقول بعدم القضاء ودافع عنه وفند دعوى الإجماع، مع أن هذه المسألة كانت من جملة ما جمعه على ابن تيمية من نبذه وغرائبه!!

غير أنه يمكن يبرر لابن رجب رحمه الله أن القول بعدم القضاء هو قياس مذهب أحمد بكفر تارك الصلاة لاسيما وأنه قد اعترف جماعة من القائلين بالقضاء أن القياس هو عدم القضاء، وأنهم إنما تركوا هذا القياس إما احتياطا أو اعتباراً لإجماع الأمة.

فلما تحرر لابن رجب صحة القياس، وعدم تَحَقُّقِ ما دُفِعَ به جَسَرَ على اعتباره.

----

ولابن رجب تصريحٌ في بعض المسائل أنه لم يسبق إلى هذا الجمع بين الآثار، أو أن هذا مما فتحه الله عليه، ولم يجد من سبقه إليه.

هذا أقصى ما يمكن أن يحسب على ابن رجب في الخروج عن قول عامة أهل العلم، وإن كان المحقق أن هذا القدر يكاد يكون مقداراً متفقاً على وقوعه بين الأئمة الكبار، وليس هو من الشذوذ في شيء.

السبب الثاني:

ما نقله ابن عبد الهادي بن المَبرِْد في الجوهر المنضَّد في ترجمة شمس الدين محمد بن خليل المنصفي الحريري المعروف بـ "ابن طوغان" أن ابن قاضي شهبة قال فيه:

"وصحب الإمام زين الدين بن رجب وأخذ عنه ثم نافره واعتزل عنه، وكان يفتي ويعتني بفتوى الطلاق الثلاث على اختيار ابن تيمية، فامتحن بسبب ذلك وأوذي وهو لا يرجع .... "

فربما كان النقل السابق أوجب عند بعض الناس ظناً أن الذي كان على اختيار ابن تيمية رحمه الله هو ابن رجب، خصوصاً إذا ضم إليه أن ابن رجب كان يفتي بمقالات ابن تيمية أولاً.

وإن كان هذا ليس بظاهر في هذا النقل، لاسيما وأن ما لحقه من كلام يأباه، وليس من شك أن مفاد الكلام السابق هو أن المعتني بكلام ابن تيمية ابن طوغان وليس ابن رجب.

السبب الثالث:

نقل يوسف بن عبد الهادي عن جده جمال الدين كما في "السير الحاث":

"وأما ابن رجب فإنه كان زاهد ورعا أيضا، لكني بلغني أنه ما عمل كتابه إلا حمية، وذلك أنه كان متباغضا هو وأولاد مفلح، والحنابلة المقادسة، فعمل هذا الكتاب لأجلهم، وبلغني أنه كان شخص يقال له الحريري، وكان حنبليا وكان يفتي بهذا فأذاه ابن رجب وضربه، كما جرت للدواليبي على زماننا كما تقدم، والذي يظهر لي أن أولاد مفلح والحنابلة المراودة، والذين كانوا على زمانه كانوا يفتون بهذا. وهذا الذي فعله لا يجوز له فإن أحداً لا يجوز له أن يغلب في دين الله لأجل معادة الغير. والله أعلم." ()

فلعل بعض الناس وهم أن كون ابن رجب ألف هذا الكتاب حمية في نفاره من أولاد مفلح والحنابلة والمراودة: يضع احتمالا على أن لابن رجب قول آخر في المسألة.

وهذا ليس بظاهر، لكن نحن هنا إنما نفسر سبب هذا الوهم، وقد تمرر بعض الأوهام بسبب أوهام أخرى، فتتحامل هذه الأوهام بعضها ببعض.

أما ما ذكره جمال الدين عن مخالِفه ابن رجب فهو مما يطوى، وهو قد شهد لابن رجب رحمه الله بالزهد والورع، وقد ذكر في ترجمة ابن رجب أنه كان فارغاً من أمور الدنيا منكباً على العلم والتدريس، وكان يدرس في المدرسة السكرية، فرحمهم الله وعفا عنهم.

السبب الرابع وهو أقواها:

ما نسب إليه من كتاب "الأحاديث والآثار المتزائدة في أن الطلاق الثلاث واحدة." ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير