تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ما كان لله بقى ... الإخلاص في [التأليف]]

ـ[العوضي]ــــــــ[19 - 03 - 09, 01:40 م]ـ

ما كان لله بقى .. الإخلاص في التأليف

عبدالمجيد المنصور

نقل ابن عبد البر في التمهيد قصة تأليف مالك لموطأه فقال: (قال المفضل بن حرب: أول من عمل الموطأ عبد العزيز بن الماجشون: عمله كلاماً بغير حديث، فلما رآه مالك قال: ما أحسن ما عمل ولو كنت أنا لبدأت بالآثار ثم شددت بالكلام، ثم عزم على تصنيف الموطأ فعمل من كان بالمدينة يومئذ من العلماء الموطآت فقيل لمالك: شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله؟ فقال: ايتوني به فنظر فيه ثم نبذه وقال: لتعلمن ما أريد به وجه الله تعالى. قال: فكأنما ألقيت تلك الكتب في الآبار) (1) ا. هـ

وقال ابن عبد البر أيضاً: (وبلغني عن مطرف بن عبد الله النيسابوري الأصم صاحب مالك أنه قال: قال لي مالك: ما يقول الناس في موطئي فقلت له: الناس رجلان محب مطرٍ وحاسدٍ مفتر، فقال لي مالك: إن مد بك العمر فسترى ما يراد الله به) (2) ا. هـ.

وروي أنه لما ألف مالك موطئه قيل له: ما الفائدة في تصنيفك؟ فقال: (ما كان لله بقي)، ذكر ذلك السيوطي في تدريب الراوي.

وحال مالك: كما قال ابن المبارك:

إني وزنت الذي يبقى ليعدله ... ما ليس يبقى فلا والله ما أتزنا

قلت: سبحان الله اندثرت تلك الموطآت ولم يبق إلا موطأ مالك، ومع أنه بقي طول هذه المدة إلا أن العلماء وقَّعوا على الكتاب وشهدوا على جلالته، واعتنوا به اعتناء منقطع النظير، فيقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي: (ما نعرف كتاباً في الإسلام بعد كتاب الله عز وجل أصح من موطأ مالك) (3)، والشافعي يقول: (ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك رحمه الله) (4).

قال ابن خلدون في مقدمته: (وتلقت الأمة هذا الكتاب بالقبول في مشارق الأرض ومغاربها ومن لدن صنف (5) إلى هلم (6)، وطال ثناء العلماء في كل عصر عليه ولم يختلف في ذلك اثنان ... ) (7).

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: (وإن للموطأ لوقعا في النفوس، ومهابة في القلوب لا يوازنها شيء ... ) (8)، وقال في موضع آخر: (وما زال العلماء قديما وحديثا لهم أتم اعتناء برواية "الموطأ " ومعرفته، وتحصيله) (9).

قلت: وقد صنفت موطئات كثيرة في زمن مالك، ولم تكن في الحجم والكبر دون موطأ مالك، ولكن لم يكتب الله لها الدوام والاستمرار كما كتب لموطأ مالك، ومنها موطأ ابن أبي ذئب، قال الدار قطني: (كان ابن أبي ذئب صنف موطأ فلم يخرج) (10)، ومنها موطأ ابن وهب تلميذ مالك: قال الذهبي: (قلت: موطأ ابن وهب كبير لم أره) (11).

قلت: وإن الله تعالى كتب لعبارة مالك تلك: (ماكان لله بقي) البقاء كما كتب لكتابه الموطأ، فصارت مثلاً، كما كان موطئه جبلا.

ولقد كانت تلك العبارة تشدني كثيراً، وتلوح لي عند كتابة أي حرف على قرطاس، وكم استوقَفَتْ نفسي لتتصارع معها فيما يخطه المداد، هل سيذهب أدراج الرياح، أم سينفع الله به، وهي هموم تجول في خواطر أولي النهى على ما اعتادته النفوس البشرية وهو أمر طبعي، لكن النفوس المريضة التي تبحث عن الشهرة- لا جعلنا الله منهم- تجول في خواطرها كم عدد القراء؟، وماذا يكون رد فعل الجمهور؟، وتتطلع إلى ثناء الناس ومديحهم، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: (ومتى نظر العامل إلى التفات القلوب إليه فقد زاحم الشرك نيته؛ لأنه ينبغي أن يقنع بنظر من يعمل له، ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه، فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته لذلك ... فأما من يقصد رؤية الخلق بعمله فقد مضى العمل ضائعاً؛ لأنه غير مقبول عند الخالق ولا عند الخلق؛ لأن قلوبهم قد ألفتت عنه، فقد ضاع العمل، وذهب العمر) (12).

وأما أولي الخفاء والإخلاص فإنهم يقذفون بالحق بإخلاص غير مبالين بما يقوله الأنام، فينفع الله فيه، ويدمغ به الباطل بقدر إخلاصهم ويقينهم حين تصنيف الكتاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير